لباب التأويل، ج ٤، ص : ١٨٤
النسب وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً جمع شعب بفتح الشين وهي رؤوس القبائل مثل ربيعة ومضر والأوس والخزرج سموا شعوبا لتشعب القبائل منهم وقيل لتجمعهم وَقَبائِلَ جمع قبيلة وهي دون الشعوب كبكر من ربيعة وتميم من مضر ودون القبائل العمائر واحدتها عمارة بفتح العين وهم كشيبان من بكر ودارم من تميم ودون العمائر البطون واحدتها بطن وهم كبني غالب ولؤي من قريش ودون البطون الأفخاذ واحدتها فخذ وهم كبني هاشم وبني أمية من لؤي ودون الأفخاذ الفصائل واحدتها فصيلة بالصاد المهملة كبني العباس من بني هاشم ثم بعد ذلك العشائر واحدتها عشيرة وليس بعد العشيرة شيء يوصف. وقيل : الشعوب للعجم، والقبائل : للعرب، والأسباط :
من بني إسرائيل. وقيل : الشعوب الذين لا ينسبون إلى أحد بل ينسبون إلى المدائن والقرى والقبائل الذين ينتسبون إلى آبائهم.
لِتَعارَفُوا أي ليعرف بعضكم بعضا في قرب النسب وبعده لا للتفاخر بالأنساب ثم بين الخصلة التي بها يفضل الإنسان على غيره ويكتسب بها الشرف عند اللّه تعالى فقال : إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقاكُمْ قيل : أكرم الكرم التقوى، وألأم اللؤم الفجور.
وقال ابن عباس : كرم الدنيا الغنى وكرم الآخرة التقوى.
عن سمرة بن جندب قال : قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم «الحسب المال والكرم التقوى» أخرجه الترمذي وقال حديث حسن غريب (ق). عن أبي هريرة قال :«سئل رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أي الناس أكرم؟ قال أكرمهم عند اللّه أتقاهم قالوا ليس عن هذا نسألك قال فأكرم الناس يوسف نبي اللّه ابن نبي اللّه ابن نبي اللّه ابن خليل اللّه قالوا ليس عن هذا نسألك قال فعن معادن العرب تسألون؟ قالوا نعم قال فخيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا» فقهوا بضم القاف على المشهور وحكي كسرها ومعناه إذا تعلموا أحكام الشرع عن ابن عمر أن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم طاف يوم الفتح على راحلته يستلم الأركان بمحجنه فلما خرج لم يجد مناخا فنزل على أيدي الرجال ثم قام فخطبهم فحمد اللّه وأثنى عليه وقال : الحمد للّه الذي أذهب عنكم غيبة الجاهلية وتكبرها يا أيها الناس إن الناس رجلان بر تقي كريم على اللّه وفاجر شقي هين على اللّه ثم تلا يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى ثم قال أقول قولي هذا وأستغفر اللّه لي ولكم» والمحجن عصا محنية الرأس كصولجان وقوله غبية الجاهلية يعني كبرها وفخرها إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ أي بظواهركم ويعلم أنسابكم خَبِيرٌ أي ببواطنكم لا تخفى عليه أسراركم فاجعلوا التقوى زادكم إلى معادكم قيل : التقي هو العالم باللّه المواظب على الوقوف ببابه المتقرب إلى جنابه.
وقيل : حد التقوى أن يجتنب العبد المناهي ويأتي بالأوامر والفضائل ولا يغتر ولا يأمن فإن اتفق أن يرتكب منهيا لا يأمن ولا يتكل بل يتبعه بحسنة ويظهر عليه توبة وندامة ومن ارتكب منهيا ولم يتب في الحال واتكل على المهلة وغره طول الأمل فليس بمتق لأن المتقي لم يترك ما أمر به ويترك ما نهي عنه وهو مع ذلك خاش للّه خائف منه لا يشتغل بغير اللّه تعالى فإن التفت لحظة إلى نفسه وأهله وولده جعل ذلك ذنبا واستغفر منه وجدد له توبة جعلنا اللّه وإياكم من المتقين.
[سورة الحجرات (٤٩) : آية ١٤]
قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَإِنْ تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمالِكُمْ شَيْئاً إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (١٤)
قوله تعالى : قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنَّا الآية نزلت في نفر من بني أسد بن خزيمة قدموا على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم في سنة مجدبة فأظهروا الإسلام، ولم يكونوا مؤمنين في السر، فأفسدوا طرق المدينة بالقذرات وأغلوا أسعارها وكانوا يغدون ويروحون إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم. ويقولون : أتتك العرب أنفسهم على ظهور رواحلها وجئناك بالأثقال والعيال والذراري ولم نقاتلك كما قاتلك بنو فلان وبنو فلان، يمنون على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بذلك ويريدون الصدقة، ويقولون : أعطنا فأنزل اللّه فيهم هذه الآية.