لباب التأويل، ج ٤، ص : ١٩١
الأمر بقتالهم وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ أي صلّ حامدا للّه قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ أي صلاة الصبح وَقَبْلَ الْغُرُوبِ يعني صلاة المغرب. قال ابن عباس : صلاة الظهر والعصر.
[سورة ق (٥٠) : الآيات ٤٠ الى ٤١]
وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَأَدْبارَ السُّجُودِ (٤٠) وَاسْتَمِعْ يَوْمَ يُنادِ الْمُنادِ مِنْ مَكانٍ قَرِيبٍ (٤١)
وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ يعني صلاة المغرب والعشاء. وقيل : يعني صلاة الليل أي وقت صلّى وَأَدْبارَ السُّجُودِ قال عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب وغيرهما : أدبار السجود الركعتان بعد المغرب، وأدبار النجوم الركعتان قبل صلاة الفجر. وهي رواية عن ابن عباس.
ويروى مرفوعا عن عائشة رضي اللّه تعالى عنها قالت «لم يكن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم على شيء من النوافل أشد تعاهدا منه على ركعتي الفجر» (م) عنها أن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم قال :«ركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها» يعني بذلك سنة الفجر، عن ابن مسعود، قال :«ما أحصى ما سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقرأ في الركعتين بعد المغرب والركعتين قبل صلاة الفجر يقل يا أيها الكافرون وقل هو اللّه أحد» أخرجه الترمذي وقال حديث غريب.
وقيل : في قوله وأدبار السجود : التسبيح باللسان في أدبار الصلوات المكتوبات (خ) عن ابن عباس قال :
أمر رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أن يسبح في أدبار الصلوات كلها يعني قوله وأدبار السجود (م). عن أبي هريرة رضي اللّه عنه قال : قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم :«من سبح اللّه في دبر كل صلاة ثلاثا وثلاثين وحمد اللّه ثلاثا وثلاثين وكبر اللّه ثلاثا وثلاثين فذلك تسعة وتسعون ثم قال : تمام المائة لا إله إلا اللّه وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير غفرت ذنوبه وإن كانت مثل زبد البحر» (خ) عنه «أن فقراء المسلمين أتوا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فقالوا يا رسول اللّه ذهب أهل الدثور بالدرجات والنعيم المقيم فقال وما ذاك؟ قالوا صلوا كما صلينا وجاهدوا كما جاهدنا وأنفقوا من فضول أموالهم وليست لنا أموال قال أفلا أخبركم بأمر تدركون به من كان قبلكم وتسبقون من جاء بعدكم ولا يأتي أحد بمثل ما جئتم به إلا من جاء بمثله تسبحون في دبر كل صلاة عشرا وتحمدون عشرا وتكبرون عشرا».
قوله تعالى : وَاسْتَمِعْ يَوْمَ يُنادِ الْمُنادِ يعني استمع يا محمد حديث يوم ينادي المنادي. وقيل : معناه انتظر صيحة القيامة والنشور. قال المفسرون : المنادي هو إسرافيل يقف على صخرة بيت المقدس فينادي بالحشر فيقول : يا أيتها العظام البالية والأوصال المتقطعة واللحوم المتمزقة والشعور المتفرقة إن اللّه يأمركن أن تجتمعن لفصل القضاء، وهو قوله تعالى : مِنْ مَكانٍ قَرِيبٍ قيل : إن صخرة بيت المقدس أقرب الأرض إلى السماء بثمانية عشر ميلا وقيل : هي في وسط الأرض.
[سورة ق (٥٠) : الآيات ٤٢ الى ٤٥]
يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ ذلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ (٤٢) إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَإِلَيْنَا الْمَصِيرُ (٤٣) يَوْمَ تَشَقَّقُ الْأَرْضُ عَنْهُمْ سِراعاً ذلِكَ حَشْرٌ عَلَيْنا يَسِيرٌ (٤٤) نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَقُولُونَ وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخافُ وَعِيدِ (٤٥)
يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ أي الصيحة الأخيرة ذلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ أي من القبور إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي أي في الدنيا وَنُمِيتُ يعني عند انقضاء الأجل وَإِلَيْنَا الْمَصِيرُ أي في الآخرة وقيل : تقديره نميت في الدنيا ونحيي للبعث وإلينا المصير بعد البعث يَوْمَ تَشَقَّقُ الْأَرْضُ عَنْهُمْ سِراعاً أي يخرجون سراعا إلى المحشر وهو قوله تعالى : ذلِكَ حَشْرٌ عَلَيْنا يَسِيرٌ أي هين نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَقُولُونَ يعني كفار مكة في تكذيبك وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ أي بمسلط تجبرهم على الإسلام إنما بعثت مذكرا وذلك قبل أن يؤمر بقتالهم فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخافُ وَعِيدِ أي ما أوعدت به من عصاني من العذاب قال ابن عباس :«قالوا يا رسول اللّه لو خوفتنا فنزلت :
فذكر بالقرآن من يخاف وعيد»
أي عظ بالقرآن من يخاف وعيدي واللّه أعلم بمراده.


الصفحة التالية
Icon