لباب التأويل، ج ٤، ص : ٢٠٥
كذب الفؤاد ما رأى ولقد رآه نزلة أخرى قال : رآه بفؤاده مرتين وذهب جماعة إلى أنه رآه بعينه حقيقة وهو قول أنس بن مالك والحسن وعكرمة قالوا : رأى محمد ربه عز وجل. وروى عكرمة عن ابن عباس، قال : إن اللّه عز وجل اصطفى إبراهيم بالخلة، واصطفى موسى بالكلام، واصطفى محمدا بالرؤية. وقال كعب : إن اللّه قسم رؤيته وكلامه بين محمد وموسى فكلم موسى مرتين ورآه محمد مرتين أخرجه الترمذي بأطول من هذا. وكانت عائشة تقول : لم ير رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ربه. وتحمل الآية على رؤية جبريل.
عن مسروق قال : قلت لعائشة : يا أماه هل رأى محمد ربه؟ فقالت : لقد قف شعري مما قلت أين أنت من ثلاث من حدثكهن فقد كذب. من حدثك أن محمدا رأى ربه فقد كذب ثم قرأت : لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير، وما كان لبشر أن يكلمه إلا اللّه وحيا أو من وراء حجاب. ومن حدثك أنه يعلم ما في غد فقد كذب. ثم قرأت : وما تدري نفس ماذا تكسب غدا وما تدري نفس بأي أرض تموت ومن حدثك أن محمدا كتم أمرا فقد كذب ثم قرأت يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك ولكنه رأى جبريل في صورته مرتين. أخرجاه في الصحيحين (م) عن أبي ذر قال :«سألت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم هل رأيت ربك؟ قال : نور أني أراه».
قوله عز وجل :
[سورة النجم (٥٣) : الآيات ١٢ الى ١٦]
أَفَتُمارُونَهُ عَلى ما يَرى (١٢) وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى (١٣) عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهى (١٤) عِنْدَها جَنَّةُ الْمَأْوى (١٥) إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ ما يَغْشى (١٦)
أَفَتُمارُونَهُ عَلى ما يَرى يعني أفتجادلونه على ما يرى وذلك أنهم جادلوه حين أسري به وقالوا له صف لنا بيت المقدس وأخبرنا عن عيرنا في الطريق وغير ذلك مما جادلوه به. والمعنى : أفتجادلونه جدالا ترومون به دفعه عما رآه وعلمه وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى يعني رأى جبريل في صورته التي خلق عليها نازلا من السماء نزلة أخرى وذلك أنه رآه في صورته مرتين مرة في الأرض ومرة عند سدرة المنتهى (م) عن أبي هريرة ولقد رآه نزلة أخرى قال : رأى جبريل. وعلى قول ابن عباس : يعني نزلة أخرى هو أنه كانت للنبي صلّى اللّه عليه وسلّم في تلك الليلة عرجات لمسألة التخفيف من أعداد الصلوات فيكون لكل عرجة نزلة فرأى ربه عز وجل في بعضها.
وروي عن ابن عباس أنه رأى ربه بفؤاده مرتين وعنه أنه رآه بعينه عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهى (م) عن ابن مسعود رضي اللّه عنه قال :«لما أسري برسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم انتهى به إلى سدرة المنتهى وهي في السماء السادسة وإليها ينتهي ما يعرج من الأرض فيقبض منها وإليها ينتهي ما يهبط من فوقها فيقبض منها وقال إذ يغشى السدرة ما يغشى قال فراش من ذهب».
وفي رواية الترمذي إليها ينتهي علم الخلائق لا علم لهم فوق ذلك وفي حديث المعراج المخرج في الصحيحين «ثم صعد بي إلى السماء السابعة ثم قال ثم رفعت إلى سدرة المنتهى» فإذا نبقها مثل قلال هجر وإذا ورقها كآذان الفيلة قال : هذه سدرة المنتهى. وفي أفراد مسلم من حديث أنس قال :«ثم عرج بنا إلى السماء السابعة وذكره إلى أن قال فيه ثم ذهب بي إلى سدرة المنتهى وإذا ورقها كآذان الفيلة وإذا ثمرها كالقلال قال فلما غشيها من نور اللّه ما غشي تغيرت فما أحد من خلق اللّه يستطيع أن ينعتها من حسنها» وقال هلال بن يساف سأل ابن عباس كعبا عن سدرة المنتهى وأنا حاضر فقال كعب إنها سدرة في أصل العرش على رؤوس حملة العرش وإليها ينتهي علم الخلائق وما خلفها غيب لا يعلمه إلا اللّه عز وجل وعن أسماء بنت أبي بكر قالت :«سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ذكر سدرة المنتهى فقال : يسير الراكب في ظل الفنن منها مائة سنة أو قال يستظل بظلها مائة ألف راكب فيها فراش الذهب كأن ثمرها القلال» أخرجه الترمذي. وقال : مقاتل هي شجرة تحمل الحلي والحلل