لباب التأويل، ج ٤، ص : ٢٢٥
سورة الرّحمن علا، وعز وجل
(و هي مكية وذكر ابن الجوزي أنها مدنية في قول من قولين عن ابن عباس وهي ست وسبعون آية وثلاثمائة وإحدى وخمسون كلمة وألف وستمائة وستة وثلاثون حرفا).
[سورة الرحمن (٥٥) : الآيات ١ الى ٤]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
الرَّحْمنُ (١) عَلَّمَ الْقُرْآنَ (٢) خَلَقَ الْإِنْسانَ (٣) عَلَّمَهُ الْبَيانَ (٤)قوله عز وجل : الرَّحْمنُ عَلَّمَ الْقُرْآنَ قيل لما نزلت اسجدوا للرحمن قال كفار مكة وما الرّحمن فأنكروه وقالوا لا نعرف الرّحمن فأنزل اللّه الرّحمن يعني الذي أنكرتموه هو الذي علم القرآن، وقيل هذا جواب لأهل مكة حين قالوا إنما يعلمه بشر فقال تعالى الرّحمن علم القرآن يعني علّم محمدا القرآن وقيل علّم القرآن يسره للذكر ليحفظ ويتلى وذلك أن اللّه عز وجل عد نعمه على عباده فقدم أعظمها نعمة وأعلاها رتبة وهو القرآن العزيز لأنه أعظم وحي اللّه إلى أنبيائه وأشرفه منزلة عند أوليائه وأصفيائه وأكثره ذكرا وأحسنه في أبواب الدين أثرا وهو سنام الكتب السماوية المنزلة على أفضل البرية خَلَقَ الْإِنْسانَ يعني آدم عليه الصلاة والسلام قاله ابن عباس عَلَّمَهُ الْبَيانَ يعني أسماء كل شيء وقيل علّمه اللغات كلها فكان آدم يتكلم بسبعمائة لغة أفضلها العربية وقيل الإنسان اسم جنس وأراد به جميع الناس، فعلى هذا يكون معنى علمه البيان أي النطق الذي يتميز به عن سائر الحيوانات، وقيل علمه الكتابة والفهم والإفهام حتى عرف ما يقول وما يقال له وقيل علم كل قوم لسانهم الذي يتكلمون به وقيل أراد بالإنسان محمدا صلّى اللّه عليه وسلّم علّمه البيان يعني بيان ما يكون وما كان لأنه صلّى اللّه عليه وسلم ينبئ عن خبر الأولين والآخرين وعن يوم الدين، وقيل علمه بيان الأحكام من الحلال والحرام والحدود والأحكام.
[سورة الرحمن (٥٥) : الآيات ٥ الى ١١]
الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبانٍ (٥) وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدانِ (٦) وَالسَّماءَ رَفَعَها وَوَضَعَ الْمِيزانَ (٧) أَلاَّ تَطْغَوْا فِي الْمِيزانِ (٨) وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلا تُخْسِرُوا الْمِيزانَ (٩)
وَالْأَرْضَ وَضَعَها لِلْأَنامِ (١٠) فِيها فاكِهَةٌ وَالنَّخْلُ ذاتُ الْأَكْمامِ (١١)
الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبانٍ قال ابن عباس يجريان بحساب ومنازل لا يتعديانها وقيل يعني بهما حساب الأوقات والآجال ولولا الليل والنهار والشمس والقمر لم يدر أحد كيف يحسب ما يريد، وقيل الحساب هو الفلك تشبيها بحسبان الرحى وهو ما يدور الحجر بدورانه وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدانِ قيل النجم ما ليس له ساق من النبات كالبقول والشجر ما له ساق يبقى في الشتاء وسجودها سجود ظلها وقيل النجم هو الكوكب، وسجوده طلوعه والقول الأول أظهر لأنه ذكره مع الشجر في مقابلة الشمس والقمر ولأنهما أرضيان في مقابلة سماءين وَالسَّماءَ رَفَعَها أي فوق الأرض وَوَضَعَ الْمِيزانَ قيل أراد بالميزان العدل لأنه آلة العدل والمعنى أنه أمر بالعدل يدل عليه قوله أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزانِ أي لا تجاوزوا العدل وقيل أراد به الآلة التي يوزن بها للتوصل إلى الإنصاف والانتصاف وأصل الوزن التقدير أن لا تطغوا في الميزان أي لئلا تميلوا وتظلموا وتجاوزوا الحق في