لباب التأويل، ج ٤، ص : ٢٢٨
أحد يسأل الرحمة وما يحتاج إليه في دينه أو دنياه وفيه إشارة إلى كمال قدرة اللّه تعالى وأن كل مخلوق وإن جل وعظم فهو عاجز عن تحصيل ما يحتاج إليه مفتقر إلى اللّه تعالى : كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ قيل نزلت ردا على اليهود حيث قالوا إن اللّه لا يقضي يوم السبت شيئا قال المفسرون من شأنه أنه يحيي ويميت ويرزق ويعز قوما ويذل قوما ويشفي مريضا ويمرض صحيحا ويفك عانيا ويفرج عن مكروب ويجيب داعيا ويعطي سائلا ويغفر ذنبا إلا ما لا يحصى من أفعاله وإحداثه في خلقه ما يشاء سبحانه وتعالى وروى البغوي بإسناد الثعلبي عن ابن عباس قال «إن مما خلق اللّه عز وجل لوحا من درة بيضاء دفتاه من ياقوتة حمراء قلمه نور وكتابه نور ينظر اللّه فيه كل يوم ثلاثمائة وستين نظرة يخلق ويرزق ويحيي ويميت ويعز ويذل ويفعل ما يشاء فذلك قوله تعالى : كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ قال ابن عيينة الدهر كله عند اللّه يومان أحدهما مدة أيام الدنيا والآخر يوم القيامة والشأن الذي هو فيه اليوم الذي هو مدة أيام الدنيا الاختبار بالأمر والنهي والإحياء والإماتة والإعطاء والمنع وشأن يوم القيامة الجزاء والحساب والثواب والعقاب، وقال الحسين بن الفضل هو سوق المقادير إلى المواقيت ومعناه إن اللّه عز وجل كتب ما يكون في كل يوم وقدر ما هو كائن فإذا جاء ذلك الوقت تعلقت إرادته بالفعل فيوجده في ذلك الوقت وقال أبو سليمان الداراني في هذه الآية له في كل يوم إلى العبيد بر جديد وقيل شأنه تعالى أنه يخرج في كل يوم وليلة ثلاثة عساكر عسكرا من أصلاب الآباء إلى أرحام الأمهات وعسكرا من الأرحام إلى الدنيا وعسكرا من الدنيا إلى القبور ثم يرتحلون جميعا إلى اللّه تعالى : فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ الثَّقَلانِ قيل هو وعيد من اللّه تعالى للخلق بالمحاسبة وليس هو فراغ عن شغل لأن اللّه تعالى
لا يشغله شأن عن شأن فهو كقول القائل لمن يريد تهديده لأتفرغن لك وما به شغل وهذا قول ابن عباس وإنما حسن ذكر هذا الفراغ لسبق ذكر الشأن وقيل معناه سنقصدكم بعد الترك والإمهال ونأخذ في أمركم فهو كقول للقائل الذي لا شغل له قد فرغت لك وقيل معناه أن اللّه وعد أهل التقوى وأوعد أهل الفجور فقال سنفرغ لكم مما وعدناكم وأخبرناكم فنحاسبكم ونجازيكم فننجز لكم ما وعدناكم فنتم ذلك ونفرغ منه فهو على طريق المثل وأراد بالثقلين الإنس والجن سميا ثقلين لأنهما ثقلا على الأرض أحياء وأمواتا، وقيل كل شيء له قدر ووزن ينافس فيه فهو ثقل ومنه قول النبي صلّى اللّه عليه وسلّم «إني تارك فيكم الثقلين كتاب اللّه وعترتي»
فجعلهما ثقلين إعظاما لقدرهما وقال جعفر بن محمد الصادق سمي الإنس والجن ثقلين لأنهما مثقلان بالذنوب.
[سورة الرحمن (٥٥) : الآيات ٣٢ الى ٣٥]
فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٣٢) يا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطارِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا لا تَنْفُذُونَ إِلاَّ بِسُلْطانٍ (٣٣) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٣٤) يُرْسَلُ عَلَيْكُما شُواظٌ مِنْ نارٍ وَنُحاسٌ فَلا تَنْتَصِرانِ (٣٥)
فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ يا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا أي تخرجوا مِنْ أَقْطارِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أي جوانبهما وأطرافهما فَانْفُذُوا أي فاخرجوا والمعنى إن استطعتم أن تهربوا من الموت بالخروج من أقطار السموات والأرض فاهربوا واخرجوا منها فحيثما كنتم يدرككم الموت وقيل يقال لهم هذا يوم القيامة والمعنى إن استطعتم أن تخرجوا من أقطار السموات والأرض فتعجزوا ربكم حتى لا يقدر عليكم فاخرجوا وقيل معناه إن استطعتم أن تهربوا من قضائي وتخرجوا من ملكي ومن سمائي وأرضي فافعلوا وقدم الجن على الإنس في هذه الآية لأنهم أقدر على النفوذ والهرب من الإنس وأقوى على ذلك ثم قال تعالى : لا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطانٍ يعني لا تقدرون على النفوذ إلا بقوة وقهر وغلبة وأني لكم ذلك لأنكم حيثما توجهتم كنتم في ملكي وسلطاني وقال ابن عباس معناه إن استطعتم أن تعلموا ما في السموات والأرض فاعلموا ولن تعلموه إلا بسلطان أي بينة من اللّه تعالى : فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ وفي الخبر «يحاط على الخلق بالملائكة وبلسان من نار ثم ينادي» يا مَعْشَرَ


الصفحة التالية
Icon