لباب التأويل، ج ٤، ص : ٢٣٩
سواد وأهلها سود وكل شيء فيها أسود وقيل اليحموم اسم من أسماء النار لا بارِدٍ وَلا كَرِيمٍ يعني لا بارد المنزل ولا كريم المنظر وذلك لأن فائدة الظل ترجع إلى أمرين أحدهما دفع الحر والثاني حسن المنظر وكون الإنسان فيه مكرما وظل أهل النار بخلاف هذا لأنهم في ظل من دخان أسود حار، ثم بين بما استحقوا ذلك فقال تعالى : إِنَّهُمْ كانُوا قَبْلَ ذلِكَ يعني في الدنيا، مُتْرَفِينَ يعني منعمين وَكانُوا يُصِرُّونَ عَلَى الْحِنْثِ الْعَظِيمِ يعني على الذنب الكبير وهو الشرك وقيل الحنث العظيم اليمين الغموس وذلك أنهم كانوا يحلفون أنهم لا يبعثون وكذبوا في ذلك يدل عليه سياق الآية وهو قوله تعالى : وَكانُوا يَقُولُونَ أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً وَعِظاماً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ أَوَآباؤُنَا الْأَوَّلُونَ فرد اللّه تعالى عليهم بقوله قُلْ إِنَّ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ يعني الآباء والأبناء، لَمَجْمُوعُونَ إِلى مِيقاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ يعني أنهم يجمعون ويحشرون ليوم الحساب ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضَّالُّونَ يعني عن الهدى الْمُكَذِّبُونَ أي بالبعث والخطاب لكفار مكة وقيل إنه عام مع كل ضال مكذب، لَآكِلُونَ مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ تقدم تفسيره فَمالِؤُنَ مِنْهَا الْبُطُونَ فَشارِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ الْحَمِيمِ فَشارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ يعني الإبل العطاش قيل إن الهيام داء يصيب الإبل فلا تروى معه ولا تزال تشرب حتى تهلك وقيل الهيم الأرض ذات الرمل التي لا تروى بالماء قيل يلقى على أهل النار العطش فيشربون من الحميم شرب الهيم فلا يروون هذا نُزُلُهُمْ يعني ما ذكر من الزقوم والحميم أي رزقهم وغذاؤهم وما أعد لهم يَوْمَ الدِّينِ يعني يوم يجازون بأعمالهم ثم احتج عليهم في البعث بقوله تعالى :
[سورة الواقعة (٥٦) : الآيات ٥٧ الى ٦٥]
نَحْنُ خَلَقْناكُمْ فَلَوْ لا تُصَدِّقُونَ (٥٧) أَفَرَأَيْتُمْ ما تُمْنُونَ (٥٨) أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخالِقُونَ (٥٩) نَحْنُ قَدَّرْنا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ وَما نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ (٦٠) عَلى أَنْ نُبَدِّلَ أَمْثالَكُمْ وَنُنْشِئَكُمْ فِي ما لا تَعْلَمُونَ (٦١)
وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الْأُولى فَلَوْ لا تَذَكَّرُونَ (٦٢) أَفَرَأَيْتُمْ ما تَحْرُثُونَ (٦٣) أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ (٦٤) لَوْ نَشاءُ لَجَعَلْناهُ حُطاماً فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ (٦٥)
نَحْنُ خَلَقْناكُمْ يعني ولم تكونوا شيئا وأنتم تعلمون ذلك فَلَوْ لا أي فهلا تُصَدِّقُونَ يعني بالبعث بعد الموت.
قوله عز وجل : أَفَرَأَيْتُمْ ما تُمْنُونَ يعني ما تصبون في الأرحام من النطف أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أي أنتم تخلقون ما تمنون بشرا أَمْ نَحْنُ الْخالِقُونَ أي إنه خلق النطفة وصورها وأحياها فلم لا تصدقون بأنه واحد قادر على أن يعيدكم كما أنشأكم احتج عليهم في البعث بالقدرة على ابتداء الخلق، نَحْنُ قَدَّرْنا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ يعني الآجال فمنكم من يبلغ الكبر والهرم ومنكم من يموت صبيا وشابا وغير ذلك من الآجال القريبة والبعيدة وقيل معناه إنه جعل أهل السماء وأهل الأرض فيه سواء شريفهم ووضيعهم فعلى هذا القول يكون معنى قدرنا قضينا، وَما نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ يعني لا يفوتني شيء أريده ولا يمتنع مني أحد وقيل معناه وما نحن بمغلوبين عاجزين عن إهلاككم وإبدالكم بأمثالكم وهو قوله تعالى : عَلى أَنْ نُبَدِّلَ أَمْثالَكُمْ
أي نأتي بخلق مثلكم بدلا منكم في أسرع حين وَنُنْشِئَكُمْ
أي نخلقكم فِي ما لا تَعْلَمُونَ
أي من الصور والمعنى نغير حليتكم إلى ما هو أسمح منها من أي خلق شئنا وقيل نبدل صفاتكم فنجعلكم قردة وخنازير كما فعلنا بمن كان قبلكم أي إن أردنا أن نفعل ذلك بكم ما فاتنا، وقال سعيد بن المسيب فيما لا تعلمون في حواصل طيور سود كأنها الخطاطيف تكون ببرهوت وهو واد باليمن وهذه الأقوال كلها تدل على المسخ وعلى أنه لو شاء أن يبدلهم بأمثالهم من بني آدم قدر ولو شاء أن يمسخهم في غير صورهم قدر، وقال بعض أهل المعاني هذا يدل على النشأة الثانية يكونها اللّه تعالى في وقت لا يعلمه العباد ولا يعلمون كيفيته كما علموا الإنشاء الأول من جهة التناسل ويكون التقدير على هذا وما نحن