لباب التأويل، ج ٤، ص : ٢٥
وبشرناه بنبوة إسحاق. وكذا روى عن ابن عباس قال بشر به مرتين حين ولد وحين نبىء وَبارَكْنا عَلَيْهِ يعني على إبراهيم في أولاده وَعَلى إِسْحاقَ أي يكون أكثر الأنبياء من نسله وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِما مُحْسِنٌ أي مؤمن وَظالِمٌ لِنَفْسِهِ أي كافر مُبِينٌ أي ظاهر الكفر، وفيه تنبيه على أنه لا يلزم من كثرة فضائل الأب فضيلة الابن.
قوله عز وجل : وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلى مُوسى وَهارُونَ أي أنعمنا عليهما بالنبوة والرسالة وَنَجَّيْناهُما وَقَوْمَهُما يعني بني إسرائيل مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ يعني الذي كانوا فيه من استعباد فرعون إياهم وقيل هو إنجاؤهم من الغرق وَنَصَرْناهُمْ يعني موسى وهارون وقومهما فَكانُوا هُمُ الْغالِبِينَ أي على القبط.
[سورة الصافات (٣٧) : الآيات ١١٧ الى ١٢٣]
وَآتَيْناهُمَا الْكِتابَ الْمُسْتَبِينَ (١١٧) وَهَدَيْناهُمَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ (١١٨) وَتَرَكْنا عَلَيْهِما فِي الْآخِرِينَ (١١٩) سَلامٌ عَلى مُوسى وَهارُونَ (١٢٠) إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (١٢١)
إِنَّهُما مِنْ عِبادِنَا الْمُؤْمِنِينَ (١٢٢) وَإِنَّ إِلْياسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (١٢٣)
وَآتَيْناهُمَا الْكِتابَ يعني التوراة الْمُسْتَبِينَ المستنير وَهَدَيْناهُمَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ أي دللناهما على طريق الجنة وَتَرَكْنا عَلَيْهِما فِي الْآخِرِينَ أي الثناء الحسن سَلامٌ عَلى مُوسى وَهارُونَ إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ إِنَّهُما مِنْ عِبادِنَا الْمُؤْمِنِينَ قوله عز وجل : وَإِنَّ إِلْياسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ روي عن ابن مسعود أنه قال إلياس هو إدريس وكذلك هو في مصحفه وقال أكثر المفسرين هو نبي من أنبياء بني إسرائيل قال ابن عباس هو ابن عم اليسع وقال محمد بن إسحاق هو الياس بن بشر بن فنحاص بن العيزار بن هارون بن عمران.
(ذكر الإشارة إلى القصة) قال محمد بن إسحاق وعلماء السير والأخبار لما قبض اللّه عز وجل حزقيل النبي عليه الصلاة والسلام عظمت الأحداث في بني إسرائيل وظهر فيهم الفساد والشرك ونصبوا الأصنام وعبدوها من دون اللّه عز وجل، فبعث اللّه عز وجل إليهم إلياس نبيا وكان الأنبياء يبعثون من بعد موسى عليه الصلاة والسلام في بني إسرائيل بتجديد ما نسوا من أحكام التوراة وكان يوشع لما فتح الشام قسمها على بني إسرائيل وإن سبطا منهم حصل في قسمته بعلبك ونواحيها وهم الذين بعث إليهم إلياس وعليهم يومئذ ملك اسمه آجب وكان قد أضل قومه وجبرهم على عبادة الأصنام وكان له صنم من ذهب طوله عشرون ذراعا وله أربعة وجوه اسمه بعل وكانوا قد فتنوا به وعظموه وجعلوا له أربعمائة سادن وجعلوهم أنبياء فكان الشيطان يدخل في جوف بعل ويتكلم بشريعة الضلالة والسدنة يحفظونها عنه ويبلغونها الناس وهم أهل بعلبك وكان إلياس يدعوهم إلى عبادة اللّه عز وجل وهم لا يسمعون له ولا يؤمنون به إلا ما كان من أمر الملك فإنه آمن به وصدقه، فكان إلياس يقوم بأمره ويسدده ويرشده وكان للملك امرأة جبارة وكان يستخلفها على ملكه إذا غاب فغصبت من رجل مؤمن جنينة كان يتعيش منها فأخذتها وقتلته فبعث اللّه سبحانه وتعالى إلياس إلى الملك وزوجته وأمره أن يخبرهما أن اللّه عز وجل قد غضب لوليه حين قتل ظلما وآلى على نفسه أنهما إن لم يتوبا عن صنيعهما ويرد الجنينة على ورثة المقتول أهلكهما في جوف الجنينة ثم يدعهما جيفتين ملقاتين فيها ولا يتمتعان فيها إلا قليلا، فجاء إلياس فأخبر الملك بما أوحى اللّه إليه في أمره وأمر امرأته والجنينة فلما سمع الملك ذلك غضب واشتد غضبه عليه وقال يا إلياس واللّه ما أرى ما تدعونا إليه إلا باطلا، وهمّ بتعذيب إلياس وقتله فلما أحس إلياس بالشر رفضه وخرج عنه هاربا ورجع الملك إلى عبادة بعل ولحق إلياس
بشواهق الجبال فكان يأوي إلى الشعاب والكهوف فبقي سبع سنين على ذلك خائفا مستخفيا يأكل من نبات الأرض وثمار الشجر وهم في طلبه وقد وضعوا عليه العيون واللّه يستره منهم : فلما طال