لباب التأويل، ج ٤، ص : ٢٥٧
أحدهما : إنه لفظ الظهار والمعنى أنهم يعودون إلى ذلك اللفظ.
الوجه الثاني : أن المراد لما قالوا أي القول فيه وهو الذي حرموه على أنفسهم بلفظ الظهار تنزيلا للقول منزلة المقول فيه وعلى هذا المعنى قوله ثم يعودون لما قالوا أي يعودون إلى شيء وذلك الشيء هو الذي قالوا فيه ذلك القول ثم إذا فسر هذا اللفظ بالوجه الأول يجوز أن يكون المعنى عاد لما فعل أي فعله مرة أخرى وعلى الوجه الثاني يجوز أن يقال عاد لما فعل أي نقض ما فعل وذلك أن من فعل شيئا ثم أراد أن يفعله ثانيا فقد عاد إليه وكذا من فعل شيئا ثم أراد إبطاله فقد عاد إليه بالتصرف فيه فقد ظهر بما تقدم أن قوله ثم يعودون لما قالوا يحتمل أن يكون المراد ثم يعودون إليه بأن يفعلوا مثله مرة أخرى ويحتمل أن يكون المراد ثم يعودون إليه بالنقض والرفع والإزالة وإلى هذا الاحتمال ذهب أكثر المجتهدين ثم اختلفوا فيه على وجوه :
الأول : وهو قول الشافعي إن معنى العود لما قالوا هو السكوت عن الطلاق بعد الظهار زمانا يمكنه أن يطلقها فيه وذلك لأنه لما ظاهر فقد قصد التحريم فإن وصله بالطلاق فقد تمم ما شرع فيه من إيقاع التحريم ولا كفارة عليه فإذا سكت عن الطلاق فذلك يدل على أنه ندم على ما ابتدأ به من التحريم فحينئذ تجب عليه الكفارة وفسر ابن عباس العود بالندم فقال يندمون فيرجعون إلى الألفة.
الوجه الثاني : في تفسير العود وهو قول أبي حنيفة إنه عبارة عن استباحة الوطء والملامسة والنظر إليها بالشهوة وذلك أنه لما شبهها بالأم في حرمة هذه الأشياء ثم قصد استباحة ذلك كان مناقضا لقوله أنت علي كظهر أمي.
الوجه الثالث : وهو قول مالك إن العود إليها عبارة عن العزم على وطئها وهو قريب من قول أبي حنيفة.
الوجه الرابع : وهو قول الحسن وقتادة وطاوس والزهري إن العود إليها عبارة عن جماعها وقالوا لا كفارة عليه ما لم يطأها قال العلماء والعود المذكور هنا هب أنه صالح للجماع أو للعزم عليه أو لاستباحته إلا أن الذي قاله الشافعي هو أقل ما ينطلق عليه الاسم فيجب تعليق الحكم عليه لأنه هو الذي به يتحقق مسمى العود وأما الباقي فزيادة لا دليل عليه وأما الاحتمال الأول في قوله ثم يعودون أي يفعلون مثل ما فعلوه فعلى هذا الاحتمال في الآية وجوه أيضا الأول قال مجاهد والثوري العود هو الإتيان بالظهار في الإسلام وتجب الكفارة به والمراد من العود هو العود إلى ما كانوا عليه في الجاهلية ذلك أن أهل الجاهلية كانوا يطلقون بالظهار فجعل اللّه حكم الظهار في الإسلام على خلاف حكمه عندهم فمعنى ثم يعودون لما قالوا أي في الإسلام فيقولون في الإسلام مثل ما كانوا يقولون في الجاهلية فكفارته كذا وكذا على الوجه الثاني قال أبو العالية إذا كرر لفظ الظهار فقد عاد وإلا لم يكن عود وهذا قول أهل الظاهر واحتجوا عليه بأن ظاهر قوله ثم يعودون لما قالوا يدل على إعادة ما فعلوه وهذا لا يكون إلا بالتكرير وإن لم يكرر اللفظ فلا كفارة عليه.
وقوله تعالى : فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا المراد بالتماس المجامعة فلا يحل للمظاهر وطء امرأته التي ظاهر منها ما لم يكفر، ذلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ يعني أن غلظ الكفارة وعظ لكم حتى تتركوا الظهار ولا تعاودوه وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ أي من التكفير وتركه خَبِيرٌ ثم ذكر حكم العاجز عن الرقبة فقال تعالى :
[سورة المجادلة (٥٨) : آية ٤]
فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ شَهْرَيْنِ مُتَتابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعامُ سِتِّينَ مِسْكِيناً ذلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَلِلْكافِرِينَ عَذابٌ أَلِيمٌ (٤)
فَمَنْ لَمْ يَجِدْ أي الرقبة فَصِيامُ شَهْرَيْنِ أي فكفارته وقيل فعليه صيام شهرين مُتَتابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ