لباب التأويل، ج ٤، ص : ٢٧٢
أشد الجزع والمراد منه أن الشحيح يجزع جزعا شديدا ويحزن على شيء يفوته أو يخرج من يده والخالع الذي خلع فؤاده لشدة خوفه وفزعه عن أبي هريرة قال : قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم «لا يجتمع غبار في سبيل اللّه ودخان جهنم في جوف عبد أبدا ولا يجتمع الشح والإيمان في قلب عبد أبدا» أخرجه النسائي.
[سورة الحشر (٥٩) : آية ١٠]
وَالَّذِينَ جاؤُ مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا وَلِإِخْوانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونا بِالْإِيمانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنا غِلاًّ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنا إِنَّكَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ (١٠)
قوله تعالى : وَالَّذِينَ جاؤُ مِنْ بَعْدِهِمْ يعني من بعد المهاجرين والأنصار وهم التابعون لهم إلى يوم القيامة يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا وَلِإِخْوانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونا بِالْإِيمانِ أخبر أنهم يدعون لأنفسهم بالمغفرة ولإخوانهم الذين سبقوهم بالإيمان وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنا غِلًّا أي غشا وحسدا وبغضا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنا إِنَّكَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ فكل من كان في قلبه غل أو بغض لأحد من أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ولم يترحم على جميعهم فإنه ليس ممن عناه اللّه بهذه الآية لأن اللّه تعالى رتب المؤمنين على ثلاث منازل المهاجرين ثم من بعدهم التابعون الموصوفون بما ذكر فمن لم يكن من التابعين بهذه الصفة كان خارجا من أقسام المؤمنين وليس له في المسلمين نصيب وقال ابن أبي ليلى الناس على ثلاثة منازل الفقراء المهاجرون والذين تبوءوا الدار والإيمان والذين جاءوا من بعدهم فاجتهد أن لا تكون خارجا من هذه الثلاث منازل (ق) عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم «لا تسبوا أصحابي فلو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه» (م) عن عروة بن الزبير قال قالت عائشة «يا ابن أختي أمروا أن يستغفروا لأصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فسبوهم» عن عبد اللّه بن مغفل قال سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقول «اللّه اللّه في أصحابي لا تتخذوهم غرضا بعدي فمن أحبهم فبحبي أحبهم ومن أبغضهم فبغضبي أبغضهم ومن آذاهم فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى اللّه ومن آذى اللّه فيوشك أن يأخذه» أخرجه الترمذي وقال مالك بن أنس : من انتقص أحدا من أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أو كان في قلبه غل عليهم فليس له حق في فيء المسلمين ثم تلا هذه الآية ما أَفاءَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرى - إلى- وَالَّذِينَ جاؤُ مِنْ بَعْدِهِمْ- إلى-
رَؤُفٌ رَحِيمٌ وقال مالك بن مغول قال الشعبي يا مالك تفاضلت اليهود والنصارى على الرافضة بخصلة سئلت اليهود من خير أهل ملتكم؟
قالوا أصحاب موسى وسئلت النصارى من خير أهل ملتكم؟ قال حواري عيسى وسئلت الرافضة من شر أهل ملتكم؟ فقالوا أصحاب محمد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أمروا أن يستغفروا لهم فسبوهم والسيف مسلول عليهم إلى يوم القيامة لا تقوم لهم راية ولا يثبت لهم قدم ولا تجمع لهم كلمة كلما أوقدوا نارا للحرب أطفأها اللّه بسفك دمائهم وتفريق شملهم وإدحاض حجتهم أعاذنا اللّه وإياكم من الأهواء المضلة.
وروي عن جابر قال قيل لعائشة إن ناسا يتناولون أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم حتى أبا بكر وعمر فقالت وما تعجبون من هذا انقطع عنهم العمل فأحب اللّه أن لا يقطع عنهم الأجر.
وروي أن ابن عباس سمع رجلا ينال من أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فقال له : من أمن المهاجرين الأولين أنت؟
قال لا قال أفمن الأنصار أنت؟ قال لا قال فأنا أشهد بأنك لست من التابعين لهم بإحسان. قوله عز وجل :
[سورة الحشر (٥٩) : الآيات ١١ الى ١٢]
أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَداً أَبَداً وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ (١١) لَئِنْ أُخْرِجُوا لا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ وَلَئِنْ قُوتِلُوا لا يَنْصُرُونَهُمْ وَلَئِنْ نَصَرُوهُمْ لَيُوَلُّنَّ الْأَدْبارَ ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ (١٢)
أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نافَقُوا يعني أظهروا خلاف ما أضمروا وهم عبد اللّه بن أبيّ ابن سلول وأصحابه