لباب التأويل، ج ٤، ص : ٢٨٢
[سورة الممتحنة (٦٠) : الآيات ٩ الى ١٠]
إِنَّما يَنْهاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ وَظاهَرُوا عَلى إِخْراجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (٩) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا جاءَكُمُ الْمُؤْمِناتُ مُهاجِراتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِناتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ وَآتُوهُمْ ما أَنْفَقُوا وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ إِذا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ وَسْئَلُوا ما أَنْفَقْتُمْ وَلْيَسْئَلُوا ما أَنْفَقُوا ذلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (١٠)
إِنَّما يَنْهاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ وَظاهَرُوا عَلى إِخْراجِكُمْ وهم مشركو مكة أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ قوله تعالى : يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا جاءَكُمُ الْمُؤْمِناتُ مُهاجِراتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ الآية (خ) عن عروة بن الزبير أنه سمع مروان والمسور بن مخرمة يخبران عن أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، وقال لما كاتب سهيل بن عمرو يومئذ كان فيما اشترط سهيل بن عمرو عن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم إنه لا يأتيك منا أحد وإن كان على دينك إلا رددته إلينا وخليت بيننا وبينه وكره المؤمنون ذلك وأبي سهيل إلا ذلك فكاتبه النبي صلّى اللّه عليه وسلّم على ذلك فرد يومئذ أبا جندل إلى أبيه سهيل بن عمرو ولم يأته أحد من الرجال إلا رده في تلك المدة وإن كان مسلما وجاءت المؤمنات مهاجرات وكانت أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط ممن خرج إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يومئذ وهي عاتق فجاء أهلها يسألون عنها النبي صلّى اللّه عليه وسلّم أن يرجعها إليهم فلم يرجعها حتى أنزل اللّه فيهن إِذا جاءَكُمُ الْمُؤْمِناتُ مُهاجِراتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمانِهِنَّ- إلى- وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ قال عروة فأخبرتني عائشة أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم كان يمتحن بهذه الآية يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا جاءَكَ الْمُؤْمِناتُ- إلى قوله غَفُورٌ رَحِيمٌ قال عروة قالت عائشة فمن أقرت بهذا الشرط منهن؟ قال لها رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قد بايعتك كلاما يكلمها واللّه ما مست يده يد امرأة قط في المبايعة ولا بايعهن إلا بقوله وقال ابن عباس «أقبل رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم معتمرا حتى إذا كان بالحديبية صالحه مشركو مكة على أن من أتاه من أهل مكة رده إليهم ومن
أتى مكة من أصحابه لم يردوه إليه وكتبوا بذلك كتابا وختموا عليه فجاءت سبيعة بنت الحارث الأسلمية مسلمة بعد فراغ الكتاب وأقبل زوجها مسافر من بني مخزوم وقيل هو صيفي بن الراهب في طلبها وهو كافر فقال يا محمد اردد علي امرأتي فإنك قد شرطت أن ترد علينا من أتاك منا وهذه طية الكتاب لم تجف بعد فأنزل اللّه : يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات أي من دار الكفر إلى دار الإسلام فامتحنوهن قال ابن عباس امتحانها أن تستحلف ما خرجت من بغض زوج ولا رغبة عن أرض إلى أرض ولا لحدث أحدثته ولا التماس دنيا وما خرجت إلا رغبة في الإسلام وحبا للّه ولرسوله صلّى اللّه عليه وسلّم فإذا حلفت على ذلك لم يردها فاستحلف رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم سبيعة فحلفت فلم يردها وأعطى زوجها مهرها وما أنفق عليها فتزوجها عمر بن الخطاب قال المفسرون المراد بقوله يا أيها الذين آمنوا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم لأنه هو الذي تولى امتحانهن بنفسه فكان يمسك من جاءه من النساء بعد الامتحان ويعطي أزواجهن مهورهن ويرد من جاء من الرجال.
واختلف العلماء هل دخل رد النساء في عقد الهدنة لفظا أو عموما فقيل قد كان شرط ردهن في عقد الهدنة لفظا صريحا فنسخ اللّه تعالى ردهن من العقد ومنع منه وأبقاه في الرجال على ما كان في العقد وقيل لم يشترط ردهن في العقد لفظا صريحا وإنما أطلق العهد فكان ظاهره العموم لاشتماله على النساء وعلى الرجال فبين اللّه تعالى خروجهن من عموم العقد وفرق بينهن وبين الرجال في الحكم، اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمانِهِنَّ أي هذا الامتحان لكم واللّه أعلم بإيمانهن فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِناتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ إي إذا أقررن بالإيمان فلا تردوهن إلى الكفار لأن اللّه لم يبح مؤمنة لكفار وَآتُوهُمْ يعني أزواجهن ما أَنْفَقُوا أي عليهن من المهر الذي دفعوه إليهن، وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ إِذا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ أي مهورهن


الصفحة التالية
Icon