لباب التأويل، ج ٤، ص : ٢٨٦
سورة الصف
وفيها قولان : أحدهما أنها مدنية وهو قول ابن عباس والجمهور.
والثاني أنها مكية وهي أربع عشرة آية ومائتان وإحدى وعشرون كلمة وتسعمائة حرف.
بسم اللّه الرّحمن الرّحيم
[سورة الصف (٦١) : الآيات ١ الى ٢]بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
سَبَّحَ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (١) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ (٢)قوله عز وجل : سَبَّحَ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ قيل سبب نزولها ما روي عن عبد اللّه بن سلام رضي اللّه عنه قال «قعدنا نفرا من أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فتذاكرنا فقلنا لو نعلم أي الأعمال أحب إلى اللّه لعملنا فأنزل اللّه تعالى سبح للّه ما في السموات وما في الأرض وهو العزيز الحكيم يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون قال عبد اللّه بن سلام فقرأها علينا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم» أخرجه الترمذي وقال المفسرون إن المؤمنين قالوا لو علمنا أحب الأعمال إلى اللّه لعلمناه ولبذلنا فيها أموالنا وأنفسنا فأنزل اللّه عز وجل : إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا وأنزل اللّه هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى تِجارَةٍ الآية فابتلوا بذلك يوم أحد فولوا مدبرين وكرهوا الموت وأحبوا الحياة فأنزل اللّه تعالى لم تقولون ما لا تفعلون وقيل لما أخبر اللّه تعالى رسوله صلّى اللّه عليه وسلّم بثواب أهل بدر قالت الصحابة لئن لقينا قتالا لنفرغن فيه وسعنا ففروا يوم أحد فعيرهم اللّه بهذه الآية وقيل نزلت في شأن القتال كان الرجل يقول قاتلت ولم يقاتل وأطعمت ولم يطعم وضربت ولم يضرب فنزلت هذه الآية وقيل نزلت في المنافقين وذلك أنهم كانوا يعدون النصر للمؤمنين وهم كاذبون.
[سورة الصف (٦١) : الآيات ٣ الى ٦]
كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا ما لا تَفْعَلُونَ (٣) إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيانٌ مَرْصُوصٌ (٤) وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ يا قَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ فَلَمَّا زاغُوا أَزاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ (٥) وَإِذْ قالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يا بَنِي إِسْرائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْراةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جاءَهُمْ بِالْبَيِّناتِ قالُوا هذا سِحْرٌ مُبِينٌ (٦)
كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أي عظم بغضا عند اللّه أَنْ تَقُولُوا ما لا تَفْعَلُونَ معناه أن يعدوا من أنفسهم شيئا ولم يفوا به إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا أي يصفون أنفسهم عند القتال صفا ولا يزولون عن أماكنهم كَأَنَّهُمْ بُنْيانٌ مَرْصُوصٌ أي قد رص بعضه ببعض وألزق بعضه إلى بعض وأحكم فليس فيه فرجة ولا خلل ومنه