لباب التأويل، ج ٤، ص : ٢٨٨
وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ أي ومن أقبح ظلما ممن بلغ افتراؤه أن يكذب على اللّه وذلك أنهم علموا أن ما نالوه من نعمة فمن اللّه ثم كفروا به وَهُوَ يُدْعى إِلَى الْإِسْلامِ معنى الآية أي الناس أشد ظلما ممن يدعوه ربه على لسان نبيه صلّى اللّه عليه وسلّم إلى الإسلام الذي له فيه سعادة الدارين فيجعل مكان إجابته افتراء الكذب على اللّه بقوله هذا سحر مبين وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ أي لا يوفقهم للهداية علم من حالهم عقوبة لهم يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُا نُورَ اللَّهِ بِأَفْواهِهِمْ يعني إرادتهم إبطال الإسلام بقولهم في القرآن هذا سحر وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ يعني متم للحق ومظهره ومبلغه غايته وقال ابن عباس مظهر دينه وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ أي ليعليه على الأديان المخالفة له ولقد فعل ذلك فلم يبق دين من الأديان إلا وهو مغلوب ومقهور بدين الإسلام وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ، قوله عز وجل : يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى تِجارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ نزلت هذه الآية حين قالوا لو نعلم أي الأعمال أحب إلى اللّه عز وجل لعملناه وإنما سماه تجارة لأنهم يربحون فيه رضا اللّه عز وجل ونيل جنته والنجاة من النار ثم بين تلك التجارة فقال تعالى : تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ أي الذي آمركم به من الإيمان والجهاد في سبيله إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ هذا جواب قوله تؤمنون باللّه ورسوله وتجاهدون لأن معناه معنى الأمر والمعنى آمنوا باللّه وجاهدوا في سبيل اللّه أي إذا فعلتم ذلك يغفر لكم ذنوبكم وَ
يُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ وَمَساكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ يعني هذا الجزاء الذي ذكر هو الفوز العظيم، وَأُخْرى تُحِبُّونَها أي ولكم تجارة أخرى وقيل لكم خصلة أخرى تحبونها في العاجل مع ثواب الآخرة وتلك الخصلة نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ، قيل هو النصر على قريش وفتح مكة وقيل فتح مدائن فارس والروم وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ أي يا محمد بالنصر في الدنيا والجنة في الآخرة ثم حضهم على نصر الدين وجهاد المخالفين فقال تعالى : يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أَنْصارَ اللَّهِ كَما قالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوارِيِّينَ مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللَّهِ أي مع اللّه والمعنى انصروا دين اللّه كما نصر الحواريون دين اللّه لما قال لهم عيسى من أنصاري إلى اللّه قالَ الْحَوارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصارُ اللَّهِ وكانوا اثني عشر رجلا أول من آمن بعيسى عليه الصلاة والسلام وحواري الرجل صفيه وخلاصته ومنه قوله صلّى اللّه عليه وسلّم «حواري» الزبير فَآمَنَتْ طائِفَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ وَكَفَرَتْ طائِفَةٌ قال ابن عباس في زمن عيسى عليه الصلاة والسلام وذلك أنه لما رفع تفرق قومه ثلاث فرق فرقة قالوا كان اللّه فارتفع وفرقة قالوا كان ابن اللّه فرفعه وفرقة قالوا كان عبد اللّه ورسوله فرفعه وهم المؤمنون واتبع كل فرقة منهم طائفة من الناس فاقتتلوا فظهرت الفرقتان الكافرتان على المؤمنين حتى بعث اللّه محمدا صلّى اللّه عليه وسلّم فظهرت الفرقة المؤمنة على الكافرة فذلك قوله تعالى : فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظاهِرِينَ أي غالبين وقيل معناه فأصبحت حجة من آمن بعيسى ظاهرة بتصديق محمد صلّى اللّه عليه وسلّم أن عيسى روح اللّه وكلمته واللّه أعلم بمراده وأسرار كتابه.


الصفحة التالية
Icon