لباب التأويل، ج ٤، ص : ٢٩٢
قال «من توضأ فأحسن الوضوء ثم أتى الجمعة واستمع وأنصت غفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى وزيادة ثلاثة أيام ومن مس الحصى فقد لغا» قوله ومن مس الحصى فقد لغا معناه أنه يشغله عن سماع الخطبة كما يشغله الكلام فجعله كاللغو (خ) عن عبادة قال أدركني أبو عيسى وأنا ذاهب إلى الجمعة فقال سمعت النبي صلّى اللّه عليه وسلّم يقول «من اغبرت قدماه في سبيل اللّه حرمه اللّه على النار» عن أبي هريرة رضي اللّه عنه قال خرجت إلى الطور فرأيت كعب الأحبار فجلست معه فحدثني عن التوراة وحدثته عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وكان فيما حدثته أن قلت له قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم «خير يوم طلعت عليه الشمس يوم الجمعة فيه خلق آدم وفيه أهبط وفيه مات وفيه تيب عليه وفيه تقوم الساعة وما دابة إلا وهي مصيخة يوم الجمعة من حين تصبح حتى تطلع الشمس شفقا من الساعة إلا الجن والإنس وفيها ساعة لا يوافقها عبد مسلم وهو يصلي يسأل اللّه تعالى شيئا إلا أعطاه إياه» قال كعب ذاك في كل سنة يوما فقلت بل في كل جمعة فقرأ كعب التوراة فقال صدق رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال أبو هريرة ثم لقيت عبد اللّه بن سلام فحدثته بمجلسي مع كعب الأحبار وما حدثته في يوم الجمعة فقال عبد اللّه بن سلام قد علمت أي ساعة هي قال أبو هريرة فقلت أخبرني بها ولا تكن عني، وفي رواية تضن عليّ قال هي آخر ساعة في يوم الجمعة قال أبو هريرة قلت وكيف تقول آخر ساعة في يوم الجمعة وقد قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم لا يصادفها عبد مسلم وهو يصلي وتلك الساعة لا يصلي فيها قال عبد اللّه بن سلام ألم يقل رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم «من جلس مجلسا ينتظر الصلاة فهو في صلاة حتى يصليها» قال أبو هريرة فقلت بلى قال فهو ذلك أخرجه مالك في الموطأ والنسائي (خ) عن سلمان قال : قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم «لا يغتسل رجل يوم الجمعة
ويتطهر ما استطاع من الطهور ويدهن من دهنه ويمس من طيب بيته ثم يخرج فلم يفرق بين اثنين ثم يصلي ما كتب له ثم ينصت إذا تكلم الإمام إلا غفر له ما بينه وبين الجمعة»
الأخرى عن أوس بن أوس الثقفي قال سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقول «من غسل واغتسل وبكر وابتكر ومشى ولم يركب ودنا من الإمام ولم يلغ واستمع كان له بكل خطوة أجر عمل سنة صيامها وقيامها» أخرجه أبو داود والنسائي قال أبو داود سئل مكحول عن غسل واغتسل قال غسل رأسه وجسده.
(المسألة الثانية) : في إثم تاركها (م) عن عبد اللّه بن عمرو بن العاص وأبي هريرة أنهما سمعا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقول على منبره «لينتهين أقوام عن ودعهم الجمعات أو ليختمن اللّه على قلوبهم ثم ليكونن من الغافلين» عن أبي الجعد الضمري وكان له صحبة أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال من «ترك ثلاث جمع تهاونا طبع اللّه على قلبه» أخرجه أبو داود والنسائي وللترمذي نحوه (م) عن ابن مسعود رضي اللّه عنه عن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم قال لقوم يتخلفون عن الجمعة «هممت أن آمر رجلا يصلي بالناس ثم أحرق على رجال يتخلفون عن الجمعة بيوتهم».
(المسألة الثالثة) : في تأكيد وجوبها قال العلماء صلاة الجمعة هي من فروض الأعيان فتجب على كل مسلم حر بالغ عاقل ذكر مقيم إذا لم يكن له عذر في تركها ومن تركها من غير عذر استحق الوعيد أما الصبي والمجنون فلا جمعة عليهما لأنهما ليسا من أهل الفرض ولا جمعة على النساء بالاتفاق يدل عليه ما روي عن طارق بن شهاب أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال «الجمعة حق واجب على كل مسلم في جماعة إلا على أربعة عبد مملوك أو امرأة أو صبي أو مريض»، أخرجه أبو داود وقال طارق «رأى النبي صلّى اللّه عليه وسلّم وبعضا من أصحاب النبي صلّى اللّه عليه وسلّم ولم يسمع منه شيئا عن عبد اللّه بن عمرو بن العاص رضي اللّه عنهما أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال «الجمعة على من سمع النداء» أخرجه أبو داود وقال رواه جماعة ولم يرفعوه وإنما أسنده قبيصة عن أبي هريرة أن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم قال «الجمعة على من آواه الليل إلى أهله»، أخرجه الترمذي ولا تجب الجمعة على العبيد وقال الحسن وقتادة والأوزاعي تجب على العبد المكاتب وعن أحمد في العبيد روايتان وتجب الجمعة على أهل القرى والبوادي إذا سمعوا النداء من موضع تقام فيه الجمعة يلزمهم الحضور وإن لم يسمعوا فلا جمعة عليهم وبه قال الشافعي وأحمد وإسحاق والشرط أن يبلغهم


الصفحة التالية
Icon