لباب التأويل، ج ٤، ص : ٣٠
أتاهم الكتاب كفروا به فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ فيه تهديد لهم قوله عز وجل : وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنا لِعِبادِنَا الْمُرْسَلِينَ يعني تقدم وعدنا لعبادنا المرسلين بنصرهم.
[سورة الصافات (٣٧) : الآيات ١٧٢ الى ١٨٢]
إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ (١٧٢) وَإِنَّ جُنْدَنا لَهُمُ الْغالِبُونَ (١٧٣) فَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّى حِينٍ (١٧٤) وَأَبْصِرْهُمْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ (١٧٥) أَفَبِعَذابِنا يَسْتَعْجِلُونَ (١٧٦)
فَإِذا نَزَلَ بِساحَتِهِمْ فَساءَ صَباحُ الْمُنْذَرِينَ (١٧٧) وَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّى حِينٍ (١٧٨) وَأَبْصِرْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ (١٧٩) سُبْحانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ (١٨٠) وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ (١٨١)
وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (١٨٢)
إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ أي بالحجة البالغة إِنَّ جُنْدَنا
أي حزبنا المؤمنين هُمُ الْغالِبُونَ
أي لهم النصرة في العاقبة فَتَوَلَّ أي أعرض عَنْهُمْ حَتَّى حِينٍ قال ابن عباس يعني الموت وقيل إلى يوم بدر وقيل حتى آمرك بالقتال وهذه الآية منسوخة بآية القتال وقيل إلى أن يأتيهم العذاب وَأَبْصِرْهُمْ أي إذا نزل بهم العذاب فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ أي ذلك فعند ذلك قالوا متى هذا العذاب قال اللّه عز وجل : أَفَبِعَذابِنا يَسْتَعْجِلُونَ فَإِذا نَزَلَ يعني العذاب بِساحَتِهِمْ أي بحضرتهم وقيل بفنائهم فَساءَ صَباحُ الْمُنْذَرِينَ أي فبئس صباح الكافرين الذين أنذروا العذاب (ق) عن أنس رضي اللّه عنه «أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم غزا خيبر فلما دخل القرية قال اللّه أكبر خربت خيبر إنا إذا أنزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين قالها ثلاث مرات» ثم كرر ذكر ما تقدم تأكيدا لوعيد العذاب فقال تعالى : وَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّى حِينٍ وقيل المراد من الآية الأولى ذكر أحوالهم في الدنيا وهذه ذكر أحوالهم في الآخرة فعلى هذا القول يزول التكرار وَأَبْصِرْ أي العذاب إذا نزل بهم فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ ثم نزه نفسه فقال تعالى : سُبْحانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ أي الغلبة والقدرة وفيه إشارة إلى كمال القدرة وأنه القادر على جميع الحوادث عَمَّا يَصِفُونَ أي عن اتخاذ الشركاء والأولاد وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ أي الذين بلغوا عن اللّه عز وجل التوحيد والشرائع لأن أعلى مراتب البشر أن يكون كاملا في نفسه مكملا لغيره وهم الأنبياء عليهم الصلاة والسلام فلا جرم يجب على كل أحد الاقتداء بهم والاهتداء بهداهم وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ أي على هلاك الأعداء ونصرة الأنبياء وقيل الغرض من ذلك تعليم المؤمنين أن يقولوه ولا يخلوا به ولا يغفلوا عنه لما روي عن علي بن أبي طالب كرم اللّه وجهه قال «من أحب أن يكتال بالمكيال الأوفى من الأجر يوم القيامة فليكن آخر كلامه إذا قام من مجلسه سبحان ربك رب العزة
عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد للّه رب العالمين»
واللّه أعلم بمراده وأسرار كتابه.


الصفحة التالية
Icon