لباب التأويل، ج ٤، ص : ٣٠٧
[سورة الطلاق (٦٥) : آية ٢]
فَإِذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهادَةَ لِلَّهِ ذلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً (٢)
قوله تعالى : فَإِذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ أي إذا قربن من انقضاء عدتهن فَأَمْسِكُوهُنَّ أي راجعوهن بِمَعْرُوفٍ أَوْ فارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أي اتركوهن حتى تنقضي عدتهن فتبين منكم وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ أي على الرجعة وعلى الفراق أمر بالإشهاد على الرجعة وعلى الطلاق.
عن عمران بن حصين أنه سئل عن رجل يطلق امرأته ثم يقع عليها ولم يشهد على طلاقها ولا على رجعتها فقال طلقت لغير سنة وراجعت لغير سنة أشهد على طلاقها وعلى رجعتها ولا تعد. أخرجه أبو داود وهذا الإشهاد مندوب إليه عند أبي حنيفة كما في قوله وأشهدوا إذا تبايعتم وعند الشافعي هو واجب في الرجعة مندوب إليه في الفرقة وفائدة هذا الإشهاد أن لا يقع بينهما التجاحد وأن لا يتهم في إمساكها وأن لا يموت أحد الزوجين فيدعي الآخر ثبوت الزوجية ليرث وقيل أمر بالإشهاد للاحتياط مخافة أن تنكر الزوجة المراجعة فتنقضي العدة فتنكح زوجا غيره وَأَقِيمُوا الشَّهادَةَ يعني أيها الشهود لِلَّهِ أي طلبا لمرضاة اللّه وقياما بوصيته والمعنى اشهدوا بالحق وأدوها على الصحة ذلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً قيل معناه ومن يتق اللّه فيطلق للسنة يجعل له مخرجا إلى الرجعة.
وقال أكثر المفسرين : نزلت في عوف بن مالك أسر ابن له يسمى مالكا فأتى النبي صلّى اللّه عليه وسلّم فقال يا رسول اللّه أسر العدو ابني وشكا إليه أيضا فاقة فقال له النبي صلّى اللّه عليه وسلّم اتق اللّه واصبر وأكثر من قول لا حول ولا قوة إلا باللّه ففعل الرجل ذلك فبينا هو في بيته إذ أتاه ابنه وقد غفل عنه العدو فأصاب منهم إبلا وجاء بها إلى أبيه.
وعن ابن عباس قال : غفل عنه العدو فاستاق غنمهم فجاء بها إلى أبيه وهي أربعة آلاف شاة فنزلت وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً أي في ابنه.
[سورة الطلاق (٦٥) : آية ٣]
وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً (٣)
وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ يعني ما ساق من الغنم وقيل أصاب غنما ومتاعا ثم رجع إلى أبيه فانطلق أبوه إلى النبي صلّى اللّه عليه وسلّم وأخبره الخبر وسأله أيحل له أن يأكل ما أتى به ابنه؟ فقال له النبي صلّى اللّه عليه وسلّم نعم ونزلت الآية وقال ابن مسعود ومن يتق اللّه يجعل له مخرجا من كل شيء ويرزقه من حيث لا يحتسب هو أن يعلم أنه من قبل اللّه وأن اللّه رازقه وقال الربيع بن خثيم يجعل له محرجا من كل شيء ضاق على الناس وقيل محرجا من كل شدة وقيل مخرجا عما نهاه اللّه عنه وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ يعني من يتق اللّه فيما نابه كفاه ما أهمه وروي أن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم قال «لو أنكم تتوكلون على اللّه حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خماصا وتروح بطانا» إِنَّ اللَّهَ بالِغُ أَمْرِهِ أي منفذ أمره وممض في خلقه ما قضاه قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً أي جعل لكل شيء من شدة أو رخاء أجلا ينتهى إليه وقال مسروق في هذه الآية إن اللّه بالغ أمره توكل عليه أم لم يتوكل عليه غير أن المتوكل يكفر عنه سيئاته ويعظم له أجرا.
[سورة الطلاق (٦٥) : الآيات ٤ الى ٥]
وَاللاَّئِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللاَّئِي لَمْ يَحِضْنَ وَأُولاتُ الْأَحْمالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً (٤) ذلِكَ أَمْرُ اللَّهِ أَنْزَلَهُ إِلَيْكُمْ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْراً (٥)
قوله عز وجل : وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسائِكُمْ قيل لما نزلت وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ


الصفحة التالية
Icon