لباب التأويل، ج ٤، ص : ٣٠٩
واختلفوا في نفقتها فذهب قوم إلى أنه لا نفقة لها إلا أن تكون حاملا، يروى ذلك، عن ابن عباس وهو قول الحسن والشعبي وبه قال الشافعي وأحمد ومنهم من أوجبها بكل حال يروى ذلك عن ابن مسعود وهو قول إبراهيم النخعي، وبه قال الثوري وأصحاب الرأي وظاهر القرآن يدل على أنها لا تستحق النفقة إلا أن تكون حاملا لقوله تعالى : وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ وأما الدليل على ذلك من السنة فما روي عن فاطمة بنت قيس أن أبا عمرو بن حفص طلقها البتة وهو غائب فأرسل إليها وكيله بشعير فسخطته فقال واللّه ما لك علينا من شيء فجاءت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فذكرت ذلك له فقال لها ليس لك عليه نفقة وأمرها أن تعتد في بيت أم شريك ثم قال تلك امرأة يغشاها أصحابي فاعتدي عند ابن أم مكتوم فإنه رجل أعمى تضعين ثيابك عنده فإذا حللت فآذنيني قالت فلما حللت ذكرت له أن معاوية بن أبي سفيان وأبا جهم خطباني فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أما أبو جهم فلا يضع عصاه عن عاتقه وأما معاوية فصعلوك لا مال له انكحي أسامة بن زيد فكرهته ثم قال انكحي أسامة بن زيد فنكحته فجعل اللّه فيه خيرا واغتبطت به» أخرجه مسلم واحتج بهذا الحديث من لم يجعل لها سكنى وقال إن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم أمرها أن تعتد في بيت عبد اللّه بن أم مكتوم ولا حجة له فيه لما روي عن عائشة رضي اللّه عنها أنها قالت كانت فاطمة في مكان وحش فخيف على ناحيتها وقال سعيد بن المسيب إنما نقلت فاطمة لطول لسانها على أحمائها وكان في لسانها ذرابة : وأما المعتدة عن وطء الشهبة والمفسوخ نكاحها بعيب أو خيار عتق فلا سكنى لها ولا نفقة وإن كانت حاملا وأما المعتدة عن وفاة الزوج فلا نفقة لها عند أكثر أهل العلم وروي عن علي أن لها النفقة إن كانت حاملا من التركة حتى تضع وهو قول شريح والشعبي والنخعي و
الثوري.
واختلفوا في سكناها وللشافعي فيه قولان :
أحدهما : أنه لا سكنى لها بل تعتد حيث تشاء وهو قول علي وابن عباس وعائشة وبه قال عطاء والحسن وهو قول أبي حنيفة.
والثاني : أن لها السكنى وهو قول عمر وعثمان وعبد اللّه بن مسعود وعبد اللّه بن عمر وبه قال مالك والثوري وأحمد وإسحاق.
واحتج من أوجب لها السكنى بما روي عن الفريعة بنت مالك بن سنان وهي أخت أبي سعيد الخدري «أنها جاءت إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وسألته أن ترجع إلى أهلها في بني خدرة فإن زوجها خرج في طلب أعبد له أبقوا حتى إذا كان بطرف القدوم لحقهم فقتلوه قالت فسألت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أن أرجع إلى أهلي في بني خدرة فإن زوجي لم يتركني في مسكن يملكه ولا نفقة قالت فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم نعم قالت فانصرفت حتى إذا كنت في الحجرة ناداني رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أو أمر بي فنوديت فقال كيف قلت فرددت عليه القصة التي ذكرت له من شأن زوجي فقال امكثي في بيتك حتى يبلغ الكتاب أجله قالت فاعتددت فيه أربعة أشهر وعشرا قالت فلما كان عثمان أرسل إليّ فسألني عن ذلك فأخبرته فاتبعه وقضى به» أخرجه أبو داود والترمذي، فمن قال بهذا القول قال إذنه لفريعة أولا بالرجوع صار منسوخا بقوله آخرا «امكثي في بيتك حتى يبلغ الكتاب أجله» ومن لم يوجب السكنى قال أمرها بالمكث في بيتها آخرا استحبابا لا وجوبا.
قوله عز وجل : فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ يعني أولادكم فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ يعني على إرضاعهن، وفيه دليل على أن اللبن وإن كان قد خلق لمكان الولد فهو ملك للأم وإلا لم يكن لها أن تأخذ عليه أجرا وفيه دليل على أن حق الرضاع والنفقة على الأزواج في حق الأولاد وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ أي ليقبل بعضكم من بعض إذا أمره بالمعروف وقيل يتراضى الأب والأم على أجر مسمى والخطاب للزوجين جميعا أمرهم أن يأتوا بالمعروف وما هو الأحسن ولا يقصدوا الضرار، وقيل المعروف هاهنا لا أن يقصر الرجل في حق المرأة ونفقتها ولا المرأة في حق