لباب التأويل، ج ٤، ص : ٣٣
[سورة ص (٣٨) : الآيات ١٣ الى ١٧]
وَثَمُودُ وَقَوْمُ لُوطٍ وَأَصْحابُ الْأَيْكَةِ أُولئِكَ الْأَحْزابُ (١٣) إِنْ كُلٌّ إِلاَّ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ عِقابِ (١٤) وَما يَنْظُرُ هؤُلاءِ إِلاَّ صَيْحَةً واحِدَةً ما لَها مِنْ فَواقٍ (١٥) وَقالُوا رَبَّنا عَجِّلْ لَنا قِطَّنا قَبْلَ يَوْمِ الْحِسابِ (١٦) اصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ وَاذْكُرْ عَبْدَنا داوُدَ ذَا الْأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ (١٧)
وَثَمُودُ وَقَوْمُ لُوطٍ وَأَصْحابُ الْأَيْكَةِ أُولئِكَ الْأَحْزابُ أي الذين تحزبوا على الأنبياء فأعلم اللّه تعالى أن مشركي قريش حزب من أولئك الأحزاب إِنْ كُلٌّ إِلَّا كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ عِقابِ أي إن أولئك الطوائف والأمم الخالية لما كذبوا أنبياءهم وجب عليهم العذاب فكيف حال هؤلاء الضعفاء المساكين إذا نزل بهم العذاب وفي الآية زجر وتخويف للسامعين وَما يَنْظُرُ أي ينتظر هؤُلاءِ أي كفار مكة إِلَّا صَيْحَةً واحِدَةً ما لَها مِنْ فَواقٍ أي رجوع والمعنى أن تلك الصيحة التي هي ميعاد عذابهم إذا جاءت لم ترد ولم تصرف وَقالُوا رَبَّنا عَجِّلْ لَنا قِطَّنا أي حظنا ونصيبنا من الجنة التي تقول وقيل نصيبنا من العذاب قاله النضر بن الحارث استعجالا منه بالعذاب وقال ابن عباس يعني كتابنا والقط الصحيفة التي حصرت كل شيء قيل لما نزلت في الحاقة فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِشِمالِهِ قالوا استهزاء عجل لنا كتابنا في الدنيا قَبْلَ يَوْمِ الْحِسابِ وقيل قطنا أي حسابنا يقال لكتاب الحساب قط وقيل القط كتاب الجوائز، قال اللّه عز وجل لنبيه صلّى اللّه عليه وسلّم اصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ أي على ما يقول الكفار من التكذيب وَاذْكُرْ عَبْدَنا داوُدَ ذَا الْأَيْدِ قال ابن عباس ذا القوة في العبادة (ق) عن عبد اللّه بن عمرو بن العاص رضي اللّه عنهما قال : قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم «إن أحب الصيام إلى اللّه تعالى صيام داود كان يصوم يوما ويفطر يوما وأحب الصلاة إلى اللّه صلاة داود كان ينام نصف الليل ويقوم ثلثه وينام سدسه» وقيل معناه ذا القوة في الملك إِنَّهُ أَوَّابٌ أي رجاع إلى اللّه عز وجل بالتوبة عن كل ما يكره وقال ابن عباس مطيع للّه عز وجل وقيل مسبح بلغة الحبشة.
[سورة ص (٣٨) : الآيات ١٨ الى ٢٠]
إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْراقِ (١٨) وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً كُلٌّ لَهُ أَوَّابٌ (١٩) وَشَدَدْنا مُلْكَهُ وَآتَيْناهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطابِ (٢٠)
إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ أي بتسبيحه إذا سبح بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْراقِ أي غدوة وعشية والإشراق هو أن تشرق الشمس ويتناهى ضوءها وفسره ابن عباس بصلاة الضحى وروى البغوي بإسناد الثعلبي عن ابن عباس في قوله بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْراقِ قال كنت أمر بهذه الآية لا أدري ما هي حتى حدثتني أم هانئ بنت أبي طالب أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم دخل عليها فدعا بوضوء فتوضأ ثم صلّى الضحى فقال «يا أم هانئ إن هذه صلاة الإشراق» قلت والذي أخرجاه في الصحيحين من حديث أم هانئ في صلاة الضحى، قالت أم هانئ : ذهبت إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم عام الفتح فوجدته يغتسل وفاطمة بنته تستره بثوب فسلمت عليه فقال من هذه قلت أم هانئ بنت أبي طالب فقال مرحبا يا أم هانئ فلما فرغ من غسله قام وصلّى ثمان ركعات ملتحفا بثوب قالت أم هانئ وذلك ضحى» ولهما عن عبد الرّحمن بن أبي ليلى قال «ما حدثنا أحد أنه رأى النبي صلّى اللّه عليه وسلّم يصلي الضحى غير أم هانئ فإنها قالت إن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم دخل بيتها يوم فتح مكة فاغتسل وصلّى ثمان ركعات فلم أر صلاة قط أخف منها غير أنه يتم الركوع والسجود».
قوله تعالى : وَالطَّيْرَ أي وسخرنا له الطير مَحْشُورَةً أي مجموعة إليه تسبح معه كُلٌّ لَهُ أَوَّابٌ أي رجاع إلى طاعته مطيع له بالتسبيح معه وَشَدَدْنا مُلْكَهُ أي قويناه بالحرس والجنود، قال ابن عباس كان أشد ملوك الأرض سلطانا كان يحرس محرابا كل ليلة ستة وثلاثون ألف رجل. وروي عن ابن عباس أن رجلا من بني إسرائيل ادعى على رجل من عظمائهم، عند داود عليه الصلاة والسلام فقال هذا غصبني بقرة فسأله داود فجحده فسأل الآخر البينة فلم يكن له بينة فقال لهما داود قوما حتى أنظر في أمركما فأوحى اللّه إلى داود في منامه أن اقتل المدعى عليه فقال هذه رؤيا ولست أعجل عليه حتى أتثبت فأوحي إليه مرة أخرى فلم يفعل فأوحي إليه الثالثة أن


الصفحة التالية
Icon