لباب التأويل، ج ٤، ص : ٣٣٠
الخطابي وهذه الرؤية في هذا المقام يوم القيامة غير الرؤية التي هي في الجنة لكرامة أولياء اللّه وإنما هذه الرؤية امتحان اللّه لعباده وقوله فلا يبقى من كان يسجد للّه تعالى من تلقاء نفسه إلا أذن اللّه له في السجود ولا يبقى من كان يسجد نفاقا ورياء إلا جعل اللّه ظهره طبقة واحدة هذا السجود امتحان من اللّه تعالى لعباده ومعنى طبقة واحدة أي فقارة واحدة كالصحيفة فلا يقدر على السجود وقوله ثم يرفعون رؤوسهم وقد تحول في صورته التي رأوه فيها أول مرة معناه ثم يرفعون رؤوسهم وقد أزال المانع لهم من رؤيته وتجلى لهم فيقولون أنت ربنا وقوله ثم يضرب الجسر على جهنم الجسر بفتح الجيم وكسرها لغتان وهو الصراط وتحل للشفاعة بكسر الحاء وقيل بضمها من حل ومعناه وتقع الشفاعة ويؤذن فيها قوله دحض مزلة أي تزلق فيه الأقدام ولا تثبت قوله فيه خطاطيف جمع خطاف وهو الذي يخطف الشيء وكلاليب جمع كلوب وهو الحديدة التي يعلق بها اللحم والحسك الذي يقال له السعدان نبت له شوك عظيم من كل جانب قوله فناج مسلم ومخدوش مرسل ومكردس في نار جهنم معناه أنهم ثلاثة أقسام قسم يسلم فلا يناله شيء أصلا وقسم يخدش ثم يرسل فيخلص وقسم يكردس أي يلقى ويسقط في جهنم وفي هذا إثبات الصراط وهو مذهب أهل السنة وأهل الحق وهو جسر يجعل على متن جهنم وهو أرق من الشعر وأحد من السيف فيمر عليه الناس كلهم فالمؤمنون ينجون على حسب منازلهم وأعمالهم والآخرون يسقطون في جهنم أعاذنا اللّه منها، ومعنى مناشدة المؤمنين للّه يوم القيامة لإخوانهم الذين في النار شفاعتهم لهم وقوله فمن وجدتم في قلبه مثقال دينار من خير ومثقال نصف دينار من خير ومثقال ذرة قال القاضي عياض قيل معنى الخير اليقين قال والصحيح أن معناه شيء زائد على مجرد الإيمان لأن الإيمان الذي هو التصديق لا يتجزأ وإنما يكون هذا الخير زائدا عليه من عمل صالح وذكر خفي وعمل من
أعمال القلب من شفقة على مسكين أو خوف من اللّه تعالى أو نية صادقة ومثقال الذرة مثل لأقل الخير لأن ذلك أقل المقادير وقول المؤمنين لم نذر فيها خيرا أي صاحب خير وقوله تعالى :«شفعت الملائكة هو بفتح الفاء وشفع النبيون وشفع المؤمنون ولم يبق إلا أرحم الراحمين فيقبض قبضة من النار فيخرج منها قوما لم يعملوا خيرا قط» هؤلاء الذين معهم مجرد الإيمان فقط ولم يعملوا خيرا قط وتفرد اللّه تعالى بعلم ما تكنه القلوب فالرحمة لمن ليس عنده إلا مجرد الإيمان فقط ومعنى قبض قبضة أي جمع جماعة.
قوله قد عادوا حمما أي صاروا فحما فيلقيهم في نهر في أفواه الجنة جمع فوهة وهي أول النهر.
قوله فيخرجون كاللؤلؤ أي في الصفاء في رقابهم الخواتم قيل معناه أنه يعلق في رقابهم أشياء من ذهب أو غير ذلك مما يعرفون بها واللّه أعلم.
قوله تعالى : وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلا يَسْتَطِيعُونَ السجود يعني الكفار والمنافقين تصير أصلابهم كصياصي البقر أو كصفيحة نحاس فلا يستطيعون السجود.
[سورة القلم (٦٨) : آية ٤٣]
خاشِعَةً أَبْصارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ وَقَدْ كانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سالِمُونَ (٤٣)
خاشِعَةً أَبْصارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ وذلك أن المؤمنين يرفعون رؤوسهم من السجود ووجوههم أشد بياضا من الثلج وقد علاها النور والبهاء وتسود وجوه الكفار والمنافقين ويغشاهم ذل وخسران وندامة وَقَدْ كانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ يعني في دار الدنيا كانوا يدعون إلى الصلاة المكتوبة بالأذان والإقامة وذلك أنهم كانوا يسمعون حي على الصلاة حي على الفلاح فلا يجيبون وَهُمْ سالِمُونَ يعني أنهم كانوا يدعون إلى الصلاة وهم أصحاء فلا يأتونها قال كعب الأحبار واللّه ما نزلت هذه الآية إلا في الذين يتخلفون عن الجماعة.


الصفحة التالية
Icon