لباب التأويل، ج ٤، ص : ٣٣٤
تتابعت عليهم في هذه الأيام فلم يكن لها فتور ولا انقطاع حتى أهلكتهم، وقيل حسوما شؤما وقيل لهذه الأيام حسوما لأنها تحسم الخير عن أهلها والحسم القطع. والمعنى أنها حسمتهم بعذاب الاستئصال فلم تبق منهم أحدا فَتَرَى الْقَوْمَ فِيها أي في تلك الليالي والأيام صَرْعى أي هلكى جمع صريع قد صرعهم الموت كَأَنَّهُمْ أَعْجازُ نَخْلٍ خاوِيَةٍ أي ساقطة وقيل خالية الأجواف شبههم بجذوع نخل ساقطة ليس لها رؤوس فَهَلْ تَرى لَهُمْ مِنْ باقِيَةٍ أي من نفس باقية، قيل إنهم لما أصبحوا موتى في اليوم الثامن كما وصفهم اللّه تعالى بقوله أَعْجازُ نَخْلٍ خاوِيَةٍ حملتهم الريح فألقتهم في البحر فلم يبق منهم أحد.
قوله تعالى : وَجاءَ فِرْعَوْنُ وَمَنْ قَبْلَهُ قرئ بكسر القاف وفتح الباء أي ومن معه من جنوده وأتباعه وقرئ بفتح القاف وسكون الباء أي ومن قبله من الأمم الكافرة الْمُؤْتَفِكاتُ يعني قرئ قوم لوط يريد أهل المؤتفكات، وقيل يريد الأمم الذين ائتفكوا بخطيئتهم وهو قوله بِالْخاطِئَةِ أي بالخطيئة والمعصية وهو الشرك فَعَصَوْا رَسُولَ رَبِّهِمْ، قيل يعني موسى بن عمران وقيل لوطا والأولى أن يقال المراد بالرسول كلاهما لتقدم ذكر الأمتين جميعا فَأَخَذَهُمْ أَخْذَةً رابِيَةً يعني نامية وقال ابن عباس شديدة وقيل زائدة على عذاب الأمم.
[سورة الحاقة (٦٩) : الآيات ١١ الى ١٧]
إِنَّا لَمَّا طَغَى الْماءُ حَمَلْناكُمْ فِي الْجارِيَةِ (١١) لِنَجْعَلَها لَكُمْ تَذْكِرَةً وَتَعِيَها أُذُنٌ واعِيَةٌ (١٢) فَإِذا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ واحِدَةٌ (١٣) وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبالُ فَدُكَّتا دَكَّةً واحِدَةً (١٤) فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الْواقِعَةُ (١٥)
وَانْشَقَّتِ السَّماءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ واهِيَةٌ (١٦) وَالْمَلَكُ عَلى أَرْجائِها وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمانِيَةٌ (١٧)
إِنَّا لَمَّا طَغَى الْماءُ أي عتا وجاوز حده حتى علا على كل شيء وارتفع فوقه وذلك في زمن نوح عليه الصلاة والسلام وهو الطوفان حَمَلْناكُمْ فِي الْجارِيَةِ يعني حملنا آباءكم وأنتم في أصلابهم فصح خطاب الحاضرين في الجارية أي السفينة التي تجري في الماء لِنَجْعَلَها
أي لنجعل تلك الفعلة التي فعلناها من إغراق قوم نوح ونجاة من حملنا معه، لَكُمْ تَذْكِرَةً
أي عبرة وموعظة وَتَعِيَها
أي تحفظها أُذُنٌ واعِيَةٌ
أي حافظة لما جاء من عند اللّه. وقيل أذن سمعت وعقلت ما سمعت وقيل لتحفظها كل أذن فتكون عظة وعبرة لمن يأتي بعد والمراد صاحب الإذن والمعنى ليعتبر ويعمل بالموعظة.
قوله عز وجل : فَإِذا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ واحِدَةٌ يعني النفخة الأولى وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبالُ أي رفعت من أماكنها فَدُكَّتا دَكَّةً واحِدَةً أي كسرتا وفتتتا حتى صارتا هباء منبثا والضمير عائد إلى الأرض والجبال فعبر عنهما بلفظ الاثنين فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الْواقِعَةُ أي قامت القيامة وَانْشَقَّتِ السَّماءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ واهِيَةٌ أي ضعيفة لتشققها وَالْمَلَكُ يعني الملائكة عَلى أَرْجائِها يعني نواحيها وأقطارها وهو الذي لم ينشق منها قال الضحاك تكون الملائكة على حافتها حتى يأمرهم الرب فينزلون فيحيطون بالأرض ومن عليها وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ أي فوق رؤوسهم يعني الحملة يَوْمَئِذٍ أي يوم القيامة ثَمانِيَةٌ يعني ثمانية أملاك، وجاء في الحديث أنهم اليوم أربعة فإذا كان يوم القيامة أيدهم اللّه بأربعة آخرين فكانوا ثمانية على صورة الأوعال بين أظلافهم إلى ركبهم كما بين سماء إلى سماء. الأوعال تيوس الجبل وروى السدي عن أبي مالك قال إن الصخرة التي تحت الأرض السابعة ومنتهى علم الخلائق على أرجائها يحملها أربعة من الملائكة لكل واحد منهم أربعة وجوه إنسان ووجه أسد ووجه ثور ووجه نسر فهم قيام عليها قد أحاطوا بالسموات والأرض ورؤوسهم تحت العرش، وعن عروة بن الزبير قال حملة العرش منهم من صورته على صورة الإنسان ومنهم من صورته على صورة النسر ومنهم من صورته على صورة الثور ومنهم من صورته على صورة الأسد. وعن ابن عباس قال صدق النبي صلّى اللّه عليه وسلّم أمية بن أبي الصلت في شيء من الشعر فقال :