لباب التأويل، ج ٤، ص : ٣٤١
[سورة المعارج (٧٠) : الآيات ١٥ الى ٢٣]
كَلاَّ إِنَّها لَظى (١٥) نَزَّاعَةً لِلشَّوى (١٦) تَدْعُوا مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّى (١٧) وَجَمَعَ فَأَوْعى (١٨) إِنَّ الْإِنْسانَ خُلِقَ هَلُوعاً (١٩)
إِذا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً (٢٠) وَإِذا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً (٢١) إِلاَّ الْمُصَلِّينَ (٢٢) الَّذِينَ هُمْ عَلى صَلاتِهِمْ دائِمُونَ (٢٣)
كَلَّا أي لا ينجيه من عذاب اللّه شيء ثم ابتدأ فقال تعالى إِنَّها لَظى يعني النار ولظى اسم من أسمائها وقيل : الدركة الثانية من النار سميت لظى لأنها تتلظى أي تلتهب، نَزَّاعَةً لِلشَّوى يعني الأطراف كاليدين والرجلين مما ليس بمقتل. والمعنى أن النار تنزع الأطراف فلا تترك عليها لحما ولا جلدا. وقال ابن عباس : تنزع العصب والعقب وقيل تنزع اللحم دون العظام وقيل تأكل الدماغ كله ثم يعود كما كان ثم تأكله فذلك دأبها. وقيل لمكارم خلقه ومحاسن وجهه وأطرافه، تَدْعُوا يعني النار إلى نفسها مَنْ أَدْبَرَ أي عن الإيمان وَتَوَلَّى أي عن الحق فتقول له إليّ يا مشرك إليّ يا منافق إليّ إليّ. قال ابن عباس تدعو الكافر والمنافق بأسمائهم بلسان فصيح ثم تلتقطهم كما يلتقط الطير الحب. وقيل تدعو أي تعذب قال أعرابي لآخر دعاك اللّه أي عذبك اللّه وَجَمَعَ فَأَوْعى يعني وتدعو من جمع المال في الوعاء ولم يؤد حق اللّه منه، إِنَّ الْإِنْسانَ خُلِقَ هَلُوعاً قال ابن عباس الهلوع الحريص على ما لا يحل. وقيل شحيحا بخيلا. وقيل ضجورا وقيل جزوعا، وقيل ضيق القلب والهلع شدة الحرص وقلة الصبر وقال ابن عباس تفسيره ما بعده وهو قوله تعالى : إِذا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً وَإِذا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً يعني إذا أصابه الفقر لم يصبر وإذا أصابه المال لم ينفق. وقال ابن كيسان خلق اللّه الإنسان يحب ما يسره ويهرب مما يكره ثم تعبده بإنفاق ما يحب والصبر على ما يكره. قيل أراد بالإنسان هنا الكافر وقيل هو على عمومه ثم استثنى اللّه عز وجل فقال تعالى : إِلَّا الْمُصَلِّينَ وهذا استثناء الجمع من الواحد لأن الإنسان واحد وفيه معنى الجمع الَّذِينَ هُمْ عَلى صَلاتِهِمْ دائِمُونَ يعني يقيمونها في أوقاتها وهي الفرائض.
فإن قلت كيف قال على صلاتهم دائمون ثم قال بعده على صلاتهم يحافظون؟
قلت معنى إدامتهم عليها أن يواظبوا على أدائها، وأن لا يتركوها في شيء من الأوقات وأن لا يشتغلوا عنها بغيرها إذا دخل وقتها، والمحافظة عليها ترجع إلى الاهتمام بحالها وهو أن يأتي بها العبد على أكمل الوجوه.
وهذا إنما يحصل بأمور ثلاثة منها ما هو سابق للصلاة كاشتغاله بالوضوء وستر العورة وإرصاد المكان الطاهر للصلاة، وقصد الجماعة وتعلق القلب بدخول وقتها وتفريغه عن الوسواس والالتفات إلى ما سوى اللّه عز وجل.
وأما الأمور المقارنة للصلاة فهي أن لا يلتفت في الصلاة يمينا ولا شمالا وأن يكون حاضر القلب في جميعها بالخشوع والخوف وإتمام ركوعها وسجودها. وأما الأمور الخارجة عن الصلاة فهو أن يحترز عن الرياء والسمعة خوف أن لا تقبل منه مع الابتهال والتضرع إلى اللّه تعالى في سؤال قبولها وطلب الثواب فالمداومة على الصلاة ترجع إلى نفسها والمحافظة عليها ترجع إلى أحوالها وهيئاتها. وروى البغوي بسنده عن أبي الخير قال سألنا عقبة بن عامر عن قوله عز وجل الذين هم على صلاتهم دائمون أهم الذين يصلون أبدا؟ قال لا ولكنه إذا صلّى لم يلتفت عن يمينه ولا عن شماله ولا خلفه.