لباب التأويل، ج ٤، ص : ٣٤٩
وهو يصلي بأصحابه صلاة الفجر فلما سمعوا القرآن استمعوا له وقالوا : هذا الذي حال بيننا وبين خبر السماء فرجعوا إلى قومهم فَقالُوا يا قومنا إِنَّا سَمِعْنا قُرْآناً عَجَباً يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنا أَحَداً فأنزل اللّه تعالى على نبيه قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ زاد في رواية «و إنما أوحي إليه قول الجن» أخرجاه في الصحيحين، قال القرطبي في شرح مسلم في حديث ابن عباس هذا معناه أنه لم يقصدهم بالقراءة بل لما تفرقوا يطلبون الخبر الذي حال بينهم وبين استراق السمع، صادف هؤلاء النفر رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يصلي بأصحابه وعلى هذا فهو صلّى اللّه عليه وسلّم لم يعلم باستماعهم ولم يكلمهم وإنما أعلمه اللّه عز وجل بما أوحي إليه من قوله قل أوحى إليّ أنه استمع نفر من الجن وأما حديث ابن مسعود فقضية أخرى وجن آخرون.
والحاصل من الكتاب والسنة العلم القطعي بأن الجن والشياطين موجودون متعبدون بالأحكام الشرعية على النحو الذي يليق بخلقتهم وبحالهم، وأن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم رسول إلى الإنس والجن فمن دخل في دينه فهو من المؤمنين ومعهم في الدنيا والآخرة والجنة، ومن كفر به فهو من الشياطين المبعدين المعذبين فيها والنار مستقره. وهذا الحديث يقتضي أن الرجم بالنجوم ولم يكن قبل المبعث. وذهب قوم إلى أنه كان قبل مبعثه وآخرون إلى أنه كان لكن زاد بهذا المبعث وبهذا القول يرتفع التعارض بين الحديثين هذا آخر كلام القرطبي واللّه أعلم.
عكاظ سويقة معروفة بقرب مكة كان العرب يقصدونها في كل سنة مرة في الجاهلية وأول الإسلام وتهامة كل ما نزل عن نجد من بلاد الحجاز سميت تهامة لتغير هوائها. ومكة من تهامة معدودة ونخلة واد من أودية مكة قريب منها.
وأما التفسير فقوله سبحانه وتعالى : قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أمر اللّه نبيه صلّى اللّه عليه وسلّم أن يظهر لأصحابه واقعة الجن وكما أنه مبعوث إلى الإنس فهو أيضا مبعوث إلى الجن لتعلم قريش أن الجن مع تمردهم لما سمعوا القرآن عرفوا إعجازه فآمنوا به وقوله استمع نفر من الجن النفر ما بين الثلاثة إلى العشرة قيل كانوا تسعة من جن نصيبين. وقيل سبعة سمعوا قراءة النبي صلّى اللّه عليه وسلّم فَقالُوا أي لما رجعوا إلى قومهم، إِنَّا سَمِعْنا قُرْآناً عَجَباً قال ابن عباس رضي اللّه عنهما بليغا أي ذا عجب يعجب منه لبلاغته وفصاحته يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ أي يدعو إلى الصواب يعني التوحيد والإيمان فَآمَنَّا بِهِ أي بالقرآن وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنا أَحَداً أي ولن نعود إلى ما كنا عليه من الشرك. وفيه دليل على أن أولئك النفر كانوا مشركين قيل كانوا يهودا وقيل كانوا نصارى وقيل كانوا مجوسا ومشركين وَأَنَّهُ تَعالى جَدُّ رَبِّنا أي جلال ربنا وعظمته، ومنه قول أنس «كان الرجل إذا قرأ البقرة وآل عمران جد فينا» أي عظم قدره وقيل الجد الغنى. ومنه الحديث «و لا ينفع ذا الجد منك الجد» أي لا ينفع ذا الغنى غناه. وقال ابن عباس : عظمت قدرة ربنا وقيل أمر ربنا وقيل فعله وقيل آلاؤه ونعماؤه على خلقه وقيل علا ملك ربنا مَا اتَّخَذَ صاحِبَةً وَلا وَلَداً أي أنه تعالى جلال ربنا وعظمته عن أن يتخذ صاحبة أو ولدا لأن الصاحبة تتخذ للحاجة والولد للاستئناس به واللّه تعالى منزه عن كل نقص وَأَنَّهُ كانَ يَقُولُ سَفِيهُنا يعني جاهلنا قيل هو إبليس عَلَى اللَّهِ شَطَطاً أي كذبا وعدوانا وهو وصفه تعالى بالشريك والولد أي الشطط وهو مجاوزة الحد في كل شيء.
[سورة الجن (٧٢) : الآيات ٥ الى ٩]
وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ تَقُولَ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى اللَّهِ كَذِباً (٥) وَأَنَّهُ كانَ رِجالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزادُوهُمْ رَهَقاً (٦) وَأَنَّهُمْ ظَنُّوا كَما ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ أَحَداً (٧) وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّماءَ فَوَجَدْناها مُلِئَتْ حَرَساً شَدِيداً وَشُهُباً (٨) وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْها مَقاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهاباً رَصَداً (٩)
وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ تَقُولَ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى اللَّهِ كَذِباً أي كنا نظن أن الإنس والجن صادقون في قولهم إن للّه


الصفحة التالية
Icon