لباب التأويل، ج ٤، ص : ٣٨٥
في الحقوق والمحاكمات جَمَعْناكُمْ وَالْأَوَّلِينَ يعني مكذبي هذه الأمة والذين كذبوا أنبياءهم من الأمم الماضية. فَإِنْ كانَ لَكُمْ كَيْدٌ فَكِيدُونِ أي إن كانت لكم حيلة تحتالون بها لأنفسكم فاحتالوا وهم يعلمون أن الحيل يومئذ منقطعة لا تنفع وهذا في نهاية التوبيخ والتقريع فلهذا عقبة بقوله وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ قوله عز وجل إِنَّ الْمُتَّقِينَ أي الذين اتقوا الشرك فِي ظِلالٍ جمع ظل وهو ظل الأشجار وَعُيُونٍ أي في ظلهم عيون ماء وَفَواكِهَ مِمَّا يَشْتَهُونَ أي يتلذذون بها كُلُوا وَاشْرَبُوا أي ويقال لهم كلوا واشربوا، وهذا القول يحتمل أن يكون من جهة اللّه تعالى بلا واسطة، وما أعظمها من نعمة أو يكون من جهة الملائكة على سبيل الإكرام هَنِيئاً أي خالص اللّذة لا يشوبه تنغيص بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ أي في الدنيا من الطاعات إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ قيل المقصود منه تذكير الكفار ما فاتهم من النعم العظيمة، ليعلموا أنهم لو كانوا من المتقين المحسنين لفازوا بمثل ذلك الخير العظيم. فلما لم يفعلوا ذلك وقعوا في قوله. وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ قوله عز وجل : كُلُوا وَتَمَتَّعُوا قَلِيلًا يقول الكفار مكة كلوا وتمتعوا قليلا في الدنيا إلى منتهى آجالكم، وهذا وإن كان ظاهر اللفظ أمرا إلا أنه في المعنى نهي بليغ وزجر عظيم إِنَّكُمْ مُجْرِمُونَ أي مشركون باللّه مستحقون للعقاب لا جرم أتبعه بقوله وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ وَإِذا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا لا يَرْكَعُونَ أي وإذا قيل لهم صلوا مع محمد وأصحابه لا يصلون فعبر عن الصلاة بلفظ الركوع لأنه ركن من أركانها وقال ابن عباس : إنما يقال لهم هذا يوم القيامة حين يدعون إلى السجود فلا يستطيعون.
[سورة المرسلات (٧٧) : الآيات ٤٩ الى ٥٠]
وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (٤٩) فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ (٥٠)
وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ أي بعد نزول القرآن إذا لم يؤمنوا به فبأي شيء يؤمنون واللّه أعلم.


الصفحة التالية
Icon