لباب التأويل، ج ٤، ص : ٣٨٧
الأعمال وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِباساً أي غطاء وغشاء يستر كل شيء بظلمته عن العيون، ولهذا سمي الليل لباسا على وجه المجاز، ووجه النعمة في ذلك هو أن الإنسان يستتر بظلمة الليل عن العيون إذا أراد هربا من عدو ونحو ذلك. وَجَعَلْنَا النَّهارَ مَعاشاً أي سببا للمعاش والتصرف في المصالح وقال ابن عباس تبتغون فيه من فضل اللّه وما قسم لكم من رزقه وَبَنَيْنا فَوْقَكُمْ سَبْعاً شِداداً يعني سبع سموات محكمة ليس يتطرق عليها شقوق ولا فطور على ممر الزمان إلى أن يأتي أمر اللّه تعالى : وَجَعَلْنا سِراجاً وَهَّاجاً يعني الشمس مضيئة منيرة، وقيل الوهاج الوقاد، وقيل جعل في الشمس حرارة ونورا والوهج يجمع النور والحرارة وَأَنْزَلْنا مِنَ الْمُعْصِراتِ يعني الرياح التي تعصر السحاب.
وهي رواية عن ابن عباس : وقيل هي الرياح ذوات الأعاصير، وعلى هذا المعنى تكون من بمعنى الباء، أي وأنزلنا بالمعصرات، وذلك لأن الريح تستدر المطر من السّحاب، وقيل هي السحاب وفي الرواية الأخرى عن ابن عباس المعصرات السّحابة التي حان لها أن تمطر، ولما تمطر وقيل المعصرات المغيثات والعاصر هو الغيث، وقيل المعصرات السّموات، وذلك لأن المطر ينزل من السّماء إلى السحاب ماءً ثَجَّاجاً أي صبابا مدرارا متتابعا يتلو بعضه بعضا، ومنه الحديث «أفضل الحج العج والثج»، أي رفع الصوت بالتلبية وصب دماء الهدي لِنُخْرِجَ بِهِ أي بذلك الماء حَبًّا أي ما يأكله الإنسان كالحنطة ونحوها وَنَباتاً أي ما ينبت في الأرض من الحشيش مما يأكل منه الأنعام وَجَنَّاتٍ أَلْفافاً أي ملتفة بالشجر ليس بينها خلال فدل على البعث بذكر ابتداء الخلق ثم أخبر عنه بقوله تعالى : إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ أي الحساب كانَ مِيقاتاً أي لما وعده اللّه من الثواب والعقاب وقيل ميقاتا يجمع فيه الخلائق ليقضي بينهم يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ يعني لنفخة الأخيرة فَتَأْتُونَ أَفْواجاً يعني زمرا زمرا من كل مكان للحساب.
[سورة النبإ (٧٨) : الآيات ١٩ الى ٢٥]
وَفُتِحَتِ السَّماءُ فَكانَتْ أَبْواباً (١٩) وَسُيِّرَتِ الْجِبالُ فَكانَتْ سَراباً (٢٠) إِنَّ جَهَنَّمَ كانَتْ مِرْصاداً (٢١) لِلطَّاغِينَ مَآباً (٢٢) لابِثِينَ فِيها أَحْقاباً (٢٣)
لا يَذُوقُونَ فِيها بَرْداً وَلا شَراباً (٢٤) إِلاَّ حَمِيماً وَغَسَّاقاً (٢٥)
وَفُتِحَتِ السَّماءُ فَكانَتْ أَبْواباً يعني فكانت ذوات أبواب لنزول الملائكة، وقيل تنحل وتتناثر حتى يصير فيها أبواب وطرق وَسُيِّرَتِ الْجِبالُ أي عن وجه الأرض فَكانَتْ سَراباً أي هباء منبثا كالسراب في عين الناظر إِنَّ جَهَنَّمَ كانَتْ مِرْصاداً أي طريقا وممرا فلا سبيل لأحد إلى الجنة حتى يقطع النار وروي عن ابن عباس «إن على جسر جهنم سبع محابس يسئل العبد عند أولها عن شهادة أن لا إله إلا اللّه فإن جاء بها تامة جاز إلى الثاني فيسأل عن الصّلوات فإن جاء بها تامة جاز إلى الثالث فيسأل عن الزّكاة فإن جاء بها تامة جاز إلى الرابع فيسأل عن الصوم، فإن جاء به تاما جاز إلى الخامس، فيسأل عن الحج فإن جاء به تاما جاز إلى السادس، فيسأل عن العمرة فإن جاء بها تامة جاز إلى السابع، فيسأل عن المظالم فإن خرج منها، وإلا يقال انظروا فإن كان له تطوع أكملت به أعماله فإذا فرغ انطلق به إلى الجنة»، وقيل كانت مرصادا أي معدة لهم، وقيل هو من رصدت الشيء أرصده إذا ترقبته، والمرصاد المكان الذي يرصد فيه الراصد العدو، والمعنى إن جهنم ترصد الكفار أي تنتظرهم لِلطَّاغِينَ أي الكافرين مَآباً أي مرجعا يرجعون إليها لابِثِينَ فِيها أي في جهنم أَحْقاباً جمع حقب وهو ثمانون سنة كل سنة اثنا عشر شهرا كل شهر ثلاثون يوم كل يوم ألف سنة يروى ذلك عن علي بن أبي طالب، وقيل الحقب الواحد سبعة عشر ألف سنة.
فإن قلت الأحقاب وإن طالت فهي متناهية وعذاب الكفار في جهنم غير متناه فما معنى قوله أحقابا.
قلت ذكروا فيه وجوها :
أحدها : ما روي عن الحسن قال : إن اللّه تعالى لم يجعل على النار مدة بل قال لابثين فيها أحقابا، فو اللّه ما


الصفحة التالية
Icon