لباب التأويل، ج ٤، ص : ٤٢٦
اكفري باللّه وإلا عذبتك بهذا العذاب شهرين فقالت لو عذبتني سبعين شهرا ما كفرت باللّه وكان لها ابنتان فجاء بابنتها الكبرى فذبحها على قلبها ثم قال اكفري باللّه وإلا ذبحت الصغرى على فيك وكانت رضيعا فقالت لو ذبحت من في الأرض على فيّ ما كفرت باللّه عزّ وجلّ فأتى بابنتها فلما اضطجعت على صدرها وأراد ذبحها جزعت المرأة فأطلق اللّه لسان ابنتها فتكلمت وهي من الأربعة الذين تكلموا في المهد صغارا أطفالا وقالت يا أماه لا تجزعي فإن اللّه قد بنى لك بيتا في الجنة فاصبري فإنك تفضين إلى رحمة اللّه وكرامته فذبحت فلم تلبث الأم أن ماتت فأسكنها اللّه الجنة قال : وبعث في طلب زوجها حزقيل فلم يقدروا عليه فقيل لفرعون إنه قد رؤي في موضع كذا في جبل كذا فبعث رجلين في طلبه فانتهى إليه الرجلان، وهو يصلي وثلاثة صفوف من الوحش خلفه يصلون فلما رأوا ذلك انصرفوا فقال، حزقيل : اللّهم إنك تعلم أني كتمت إيماني مائة سنة ولم يظهر عليّ أحد فأيما هذين الرجلين كتم عليّ فاهده إلى دينك وأعطه من الدنيا سؤاله وأيما هذين الرجلين أظهر عليّ فعجل عقوبته في الدنيا واجعل مصيره في الآخرة إلى النار فانصرف الرجلان إلى فرعون فأما أحدهما فاعتبر وآمن وأما الآخر فأخبر فرعون بالقصة على رؤوس الملأ فقال له فرعون وهل معك غيرك قال نعم فلان فدعا به فقال أحق ما يقول هذا قال ما رأيت مما يقول شيئا فأعطاه فرعون وأجزل وأما الآخر فقتله ثم صلبه قال : وكان فرعون قد تزوج امرأة من أجمل نساء بني إسرائيل يقال لها آسية بنت مزاحم، فرأت ما صنع فرعون بالماشطة، فقالت وكيف يسعني أن أصبر على ما يأتي فرعون وأنا مسلمة وفرعون كافر؟ فبينما هي كذلك تؤامر نفسها إذ دخل عليها فرعون فجلس قريبا منها، فقالت يا فرعون أنت أشر الخلق وأخبثهم، عمدت إلى الماشطة فقتلتها قال فلعل بك الجنون الذي كان بها، قالت : ما بي جنون وإن إلهها وإلهك وإلهي وإله
السموات والأرض واحد لا شريك له فبصق عليها وضربها، وأرسل إلى أبيها وأمها فدعاهما وقال لهما : إن الجنون الذي كان بالماشطة أصابها، قالت : أعوذ باللّه من ذلك، إني أشهد أن ربي وربك ورب السموات والأرض واحد لا شريك له، فقال لها أبوها :
يا آسية ألست من خير نساء العماليق، وزوجك إله العماليق قالت : أعوذ باللّه من ذلك إن كان ما يقول حقا فقولا له أي يتوجني تاجا تكون الشمس أمامه والقمر خلفه والكواكب حوله. فقال لهما فرعون أخرجا عني ثم مدها بين أربعة أوتاد يعذبها ففتح اللّه لها بابا إلى الجنة ليهون عليها ما يصنع بها فرعون، فعند ذلك «قالت رب ابن لي عندك بيتا في الجنة ونجّني من فرعون وعمله»، فقبض اللّه روحها وأدخلها الجنة.
[سورة الفجر (٨٩) : الآيات ١١ الى ١٥]
الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلادِ (١١) فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسادَ (١٢) فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذابٍ (١٣) إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصادِ (١٤) فَأَمَّا الْإِنْسانُ إِذا مَا ابْتَلاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ (١٥)
قوله عزّ وجلّ : الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلادِ يعني عادا وثمودا وفرعون عملوا بالمعاصي، وتجبروا، ثم فسر ذلك الطغيان بقوله فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسادَ يعني القتل والفساد ضد الصلاح، فكما أن الصلاح يتناول جميع أقسام البر فكذلك الفساد يتناول جميع أقسام الإثم. فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذابٍ يعني لونا من العذاب صبّه عليهم، وقيل هو تشبيه بما يكون في الدنيا من العذاب بالسوط، وقيل هو إشارة إلى ما خلط لهم من العذاب، لأن أصل السوط خلط الشيء بعضه ببعض وقيل هذا على الاستعارة، لأن السوط غاية العذاب فجرى ذلك لكل نوع منه. وقيل جعل سوطه الذي ضربهم به العذاب، وكان الحسن إذا قرأ هذه الآية يقول إن عند اللّه أسواطا كثيرة، فأخذهم بسوط منها. إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصادِ قال ابن عباس يعني بحيث يرى ويسمع، وقيل عليه طريق العباد، لا يفوته أحد وقيل عليه ممر الناس لأن الرصد والمرصاد الطريق. وقيل ترجع الخلق إلى حكمه وأمره وإليه مصيرهم، وقيل إنه يرصد أعمال بني آدم. والمعنى أنه لا يفوته شيء من أعمال العباد، كما لا يفوت من المرصاد، وقد قيل أرصد النار على طريقهم حتى تهلكهم.