لباب التأويل، ج ٤، ص : ٤٣
يده فأقام آصف في ملك سليمان بسيرته أربعة عشر يوما إلى أن رد اللّه تعالى على سليمان ملكه وتاب عليه فرجع إلى ملكه وجلس على سريره وأعاد الخاتم في يده فثبت فهو الجسد الذي ألقي على كرسيه. وروي عن سعيد بن المسيب قال : احتجب سليمان عن الناس ثلاثة أيام فأوحى اللّه تعالى إليه احتجبت عن الناس ثلاثة أيام فلم تنظر في أمور عبادي فابتلاه اللّه تعالى وذكر نحو ما تقدم من حديث الخاتم وأخذ الشيطان إياه، قال القاضي عياض وغيره من المحققين : لا يصح ما نقله الأخباريون من تشبيه الشيطان به وتسليطه على ملكه وتصرفه في أمته بالجور في حكمه وإن الشياطين لا يسلطون على مثله هذا وقد عصم اللّه تعالى الأنبياء من مثل هذا، والذي ذهب إليه المحققون أن سبب فتنته ما أخرجاه في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي اللّه تعالى عنه قال : قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم «قال سليمان لأطوفن الليلة على تسعين امرأة كلهن تأتي بفارس يجاهد في سبيل اللّه تعالى فقال له صاحبه قل إن شاء اللّه فلم يقل إن شاء اللّه، فطاف عليهن جميعا فلم تحمل منهن إلا امرأة واحدة جاءت بشق رجل وايم اللّه الذي نفسي بيده لو قال إن شاء اللّه لجاهدوا في سبيل اللّه فرسنا أجمعين» وفي رواية لأطوفنّ بمائة امرأة فقال له الملك قل إن شاء اللّه فلم يقل ونسي قال العلماء والشق هو الجسد الذي ألقي على كرسيه وهي عقوبته ومحنته لأنه لم يستثن لما استغرقه من الحرص وغلب عليه من التمني وقيل نسي أن يستثني كما صح في الحديث لينفذ أمر اللّه ومراده فيه وقيل إن المراد بالجسد الذي ألقي على كرسيه أنه ولد له ولد فاجتمعت الشياطين وقال بعضهم لبعض إن عاش له ولد لم ننفك من البلاء فسبيلنا أن نقتل ولده أو نخبله، فعلم بذلك سليمان فأمر السحاب فحمله فكان يربيه في السحاب خوفا من الشياطين فبينما هو مشتغل في بعض مهماته إذا ألقى ذلك الولد ميتا على كرسيه فعاتبه اللّه على
خوفه من الشياطين ولم يتوكل عليه في ذلك، فتنبه لخطئه فاستغفر ربه فذلك قوله عز وجل : وَأَلْقَيْنا عَلى كُرْسِيِّهِ جَسَداً ثُمَّ أَنابَ أي رجع إلى ملكه بعد الأربعين يوما وقيل أناب إلى الاستغفار وهو قوله :
[سورة ص (٣٨) : آية ٣٥]
قالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكاً لا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ (٣٥)
قالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي أي سأل ربه المغفرة وَهَبْ لِي مُلْكاً لا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي أي لا يكون لأحد من بعدي وقيل لا تسلبنيه في باقي عمري وتعطيه غيري كما سلبته مني فيما مضى من عمري إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ فإن قلت قول سليمان لا ينبغي لأحد من بعدي مشعر بالحسد والحرص على الدنيا.
قلت لم يقل ذلك حرصا على طلب الدنيا ولا نفاسة بها ولكن كان قصده في ذلك أن لا يسلط عليه الشيطان مرة أخرى وهذا على قول من قال إن الشيطان استولى على ملكه.
وقيل سأل ذلك ليكون علما وآية لنبوته ومعجزة دالة على رسالته ودلالة على قبول توبته حيث أجاب اللّه تعالى دعاءه وردّ ملكه إليه وزاده فيه وقيل كان سليمان ملكا ولكنه أحب أن يخص بخاصية كما خص داود بإلانة الحديد وعيسى بإحياء الموتى وإبراء الأكمه والأبرص فسأل شيئا يختص به كما روى في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي اللّه عنه عن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم قال «إن عفريتا من الجن تفلت علي البارحة ليقطع علي صلاتي فأمكنني اللّه منه فأخذته فأردت أن أربطه إلى سارية من سواري المسجد حتى تنظروا إليه كلكم فذكرت دعوة أخي سليمان :
رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكاً لا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي فرددته خاسئا» قوله تعالى :
[سورة ص (٣٨) : الآيات ٣٦ الى ٤٢]
فَسَخَّرْنا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخاءً حَيْثُ أَصابَ (٣٦) وَالشَّياطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ (٣٧) وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفادِ (٣٨) هذا عَطاؤُنا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسابٍ (٣٩) وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنا لَزُلْفى وَحُسْنَ مَآبٍ (٤٠)
وَاذْكُرْ عَبْدَنا أَيُّوبَ إِذْ نادى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطانُ بِنُصْبٍ وَعَذابٍ (٤١) ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هذا مُغْتَسَلٌ بارِدٌ وَشَرابٌ (٤٢)