لباب التأويل، ج ٤، ص : ٤٤٥
[سورة التين (٩٥) : الآيات ٦ الى ٨]
إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ (٦) فَما يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ (٧) أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحاكِمِينَ (٨)
إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فإنهم لا يردون إلى النار أو إلى أسفل سافلين وعلى القول الأول يكون الاستثناء منقطعا، والمعنى ثم رددناه أسفل سافلين فزال عقله وانقطع عمله فلا تكتب له حسنة لكن الذين آمنوا وعملوا الصّالحات ولازموا عليها إلى أيام الشيخوخة والهرم والضّعف، فإنه يكتب لهم بعد الهرم والخرف مثل الذي كانوا يعملون في حالة الشّباب والصّحة وقال ابن عباس : هم نفر ردوا إلى أرذل العمر على زمن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم فأنزل اللّه عذرهم وأخبرهم أن لهم أجرهم الذي عملوا قبل أن تذهب عقولهم فعلى هذا القول السبب خاص وحكمه عام قال عكرمة ما يضر هذا الشيخ كبره إذا ختم اللّه له بأحسن ما كان يعمل وروي عن ابن عباس : قال إلا الذين قرءوا القرآن وقال : من قرأ القرآن لم يرد إلى أرذل العمر فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ يعني غير مقطوع لأنه يكتب له بصالح ما كان يعمل قال الضّحاك : أجر بغير عمل ثم قال إلزاما للحجة.
فَما يُكَذِّبُكَ يعني يا أيها الإنسان وهو خطاب على طريق الالتفات بَعْدُ أي بعد هذه الحجة والبرهان بِالدِّينِ أي بالحساب والجزاء، والمعنى فما الذي يلجئك أيها الناس إلى هذا الكذب ألا تتفكر في صورتك وشبابك، ومبدأ خلقك، وهرمك، فتعتبر وتقول أن الذي فعل ذلك قادر على أن يبعثني ويحاسبني، فما الذي يكذبك بالمجازاة، وقيل هو خطاب للنبي صلّى اللّه عليه وسلّم والمعنى فمن يكذبك أيها الرّسول بعد ظهور هذه الدّلائل، والبراهين أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحاكِمِينَ أي بأقضى القاضين يحكم بينكم وبين أهل التكذيب يوم القيامة عن أبي هريرة رضي اللّه تعالى عنه قال : قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم «من قرأ والتين والزيتون، فقرأ أليس اللّه بأحكم الحاكمين، فليقل بلى وأنا على ذلك من الشّاهدين» أخرجه الترمذي وعن البراء أن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم كان في سفر فصلّى العشاء الأخيرة فقرأ في إحدى الركعتين بالتين والزيتون فما سمعت أحدا أحسن صوتا أو قراءة منه صلّى اللّه عليه وسلّم» واللّه تعالى أعلم.