لباب التأويل، ج ٤، ص : ٤٤٧
صلّى اللّه عليه وسلّم بالرؤيا لئلا يفجأه الملك، فيأتيه بصريح النبوة بغتة فلا تحملها القوى البشرية، فبدئ بأول علامات النبوة توطئه للوحي، وأما التّحنث فقد فسر في الحديث بالتعبد، وهو تفسير صحيح لأن أصل التحنث من الحنث، وهو الإثم، والمعنى أنه فعل فعلا يخرج به من الإثم وقولها فجأة الحق أي جاءه الحق بالوحي بغتة.
قوله : فغطني بالغين المعجمة، والطاء المشالة المهملة، أي عصرني، وضمني ضما شديدا، وهو قوله حتى بلغ مني الجهد قال العلماء : والحكمة في الغط شغله عن الالتفات إلى غيره، والمبالغة في صفاء قلبه ولهذا كرره ثلاثا.
قوله : زملوني زملوني كذا هو في الروايات مكرر مرتين، ومعناه غطوني بالثياب، وقوله حتى ذهب عنه الرّوع أي الفزع قولها كلا أبشر فو اللّه لا يخزيك اللّه أبدا يروى بضم الياء وبالخاء المعجمة من الخزي أي لا يفضحك اللّه، ولا يكسرك، ولا يهينك ولا يذلك وروي بفتح الياء وبالحاء المهملة وبالنون أي لا يحزنك من الحزن الذي هو ضد الفرح وقولها وتحمل الكل أي الثقيل والحوائج المهمة، وتكسب المعدوم أي تعطي المال لمن هو معدوم عنده ومعنى كلام خديجة أنك لا يصيبك مكروه لما جعل فيك من مكارم الأخلاق وحميد الفعال. وخصال الخير وذلك سبب السلامة من مصارع السوء.
قولها : وكان يكتب الكتاب العبراني فيكتب من الإنجيل بالعبرانية وفي رواية مسلم «و كان يكتب الكتاب العربي يكتب من الإنجيل بالعربية ما شاء اللّه تعالى أن يكتب» ومعناهما صحيح وحاصله أنه تمكن من دين النصرانية بحيث صار يتصرف في الإنجيل، فيكتب أي موضع شاء منه بالعبرانية إن أراد، أو بالعربية إن أراد ذلك، قوله هذا النّاموس الذي أنزل اللّه على موسى هو بالنون والسين المهملة، يعني جبريل عليه الصّلاة والسّلام ومعنى النّاموس صاحب خبر الخير. إنما سمي جبريل بذلك لأن اللّه خصه بالوحي إلى الأنبياء عليهم الصّلاة والسّلام قوله يا ليتني فيها، أي في أيام النّبوة وإظهار الرّسالة جذعا أي شابا قويا حتى أبالغ في نصرتك، وهو قوله وإن يدركني يومك أنصرك نصرا مؤزرا أي قويا بالغا قولها ثم لم يلبث ورقة أن توفي أي فلم يلبث أن مات قبل ظهور النبي صلّى اللّه عليه وسلّم قوله كي يتردى التّردي الوقوع من علو، وذروة الجبل أعلاه قوله تبدى له أي ظهر له قوله فيسكن لذلك جأشه أي قلبه، وقيل الجأش هو ثبوت القلب عند الأمر العظيم المهول، وقيل الجأش هو ما ثار من فزعه وهاج من حزنه واللّه أعلم.
بسم اللّه الرّحمن الرّحيم
[سورة العلق (٩٦) : آية ١]بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (١)قوله عزّ وجلّ : اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ قيل الباء زائدة مجازه اقرأ اسم ربك، والمعنى اذكر اسم ربك أمر أن يبتدئ القراءة باسم اللّه تأديبا، وقيل الباء على أصلها والمعنى اقرأ القرآن مفتتحا باسم ربك أي قل بسم اللّه، ثم اقرأ فعلى هذا يكون في الآية دليل على استحباب البداءة بالتسمية في أول القراءة، وقيل معناه اقرأ القرآن مستعينا باسم ربك على ما تتحمله من النبوة وأعباء الرّسالة الَّذِي خَلَقَ يعني جميع الخلائق وقيل الذي حصل منه الخلق واستأثر به لا خالق سواه وقيل الذي خلق كل شيء.