لباب التأويل، ج ٤، ص : ٤٥٩
هذه الآية يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبارَها قال أتدرون ما أخبارها قالوا اللّه ورسوله أعلم، قال فإن أخبارها أن تشهد على كل عبد أو أمة بما عمل على ظهرها تقول عمل يوم كذا كذا وكذا فهذه أخبارها» أخرجه التّرمذي، وقال حديث حسن صحيح بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحى لَها أي أمرها بالكلام وأذن لها أن تخبر بما عمل عليها قال ابن عباس :
أوحى إليها قيل إن اللّه تعالى يخلق في الأرض الحياة، والعقل، والنطق حتى تخبر بما أمر اللّه به وهذا مذهب أهل السنة.
قوله تعالى : يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أي عن موقف الحساب بعد العرض أَشْتاتاً أي متفرقين فآخذ ذات اليمين إلى الجنة وآخذ ذات الشمال إلى النار لِيُرَوْا أَعْمالَهُمْ قال ابن عباس ليروا جزاء أعمالهم، وقيل معناه ليروا صحائف أعمالهم التي فيها الخير والشّر وهو قوله تعالى :
[سورة الزلزلة (٩٩) : الآيات ٧ الى ٨]
فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ (٧) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (٨)
فَمَنْ يَعْمَل ْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ
قال وزن نملة صغيرة وقيل هو ما لصق من التراب باليد خَيْراً يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ قال ابن عباس : ليس مؤمن ولا كافر عمل خيرا أو شرا في الدّنيا إلا أراه اللّه إياه يوم القيامة، فأما المؤمن فيرى حسناته وسيئاته فيغفر اللّه له سيئاته، ويثيبه بحسناته، وأما الكافر، فيرد حسناته ويعذبه بسيئاته، وقال محمد بن كعب القرظي فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره من كافر يرى ثوابه في الدّنيا في نفسه وولده وأهله وماله حتى يخرج من الدّنيا وليس له عند اللّه خير ومن يعلم مثقال ذرة شرا يره من مؤمن يرى عقوبته في الدّنيا في نفسه، وماله، وولده وأهله حتى يخرج من الدّنيا وليس له عند اللّه شر قيل نزلت هذه الآية في رجلين وذلك أنه لما نزلت وَيُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ وكان أحدهما يأتيه السائل، فيستقل أن يطعمه التّمرة والكسرة، والجوزة ونحو ذلك ويقول هذا ليس بشيء يؤجر عليه إنما يؤجر على ما يعطي ونحن نحبه، وكان الآخر يتهاون بالذّنب الصّغير مثل الكذبة والنظرة وأشباه ذلك ويقول إنما وعد اللّه النار على الكبائر وليس في هذا، إثم فأنزل اللّه هذه الآية يرغبهم في القليل من الخير أن يعطوه فإنه يوشك أن يكثر ويحذرهم من اليسير من الذّنب، فإنه يوشك أن يكبر والإثم الصغير في عين صاحبه يصير مثل الجبل العظيم يوم القيامة قال ابن مسعود : أحكم آية في القرآن فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ وسمي رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم هذه الآية الجامعة الفاذة حين سأل عن زكاة الحمير، فقال ما أنزل اللّه فيها شيئا إلا هذه الآية الجامعة الفاذة، فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ وتصدق عمر بن الخطاب وعائشة كل واحد منهما بحبة عنب، وقالا فيها مثاقيل
كثيرة، قلت إنما كان غرضهما تعليم الغير وإلا فهما من كرماء الصحابة رضي اللّه تعالى عنهم وقال الربيع بن خيثم : مر رجل بالحسن وهو يقرأ هذه السّورة فلما بلغ آخرها قال حسبي اللّه قد انتهت الموعظة، واللّه سبحانه وتعالى أعلم بمراده وأسرار كتابه.