لباب التأويل، ج ٤، ص : ٤٦٤
سورة التكاثر
مكية وهي ثمان آيات وثمان وعشرون كلمة ومائة وعشرون حرفا بسم اللّه الرّحمن الرّحيم
[سورة التكاثر (١٠٢) : الآيات ١ الى ٢]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
أَلْهاكُمُ التَّكاثُرُ (١) حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقابِرَ (٢)قوله عزّ وجلّ : أَلْهاكُمُ التَّكاثُرُ أي شغلتكم المفاخرة، والمباهاة، والمكاثرة بكثرة المال، والعدد، والمناقب عن طاعة اللّه ربكم، وما ينجيكم من سخطه، ومعلوم أن من اشتغل بشيء أعرض عن غيره، فينبغي للمؤمن العاقل أن يكون سعيه وشغله في تقديم الأهم وهو ما يقربه من ربه عزّ وجلّ.
فالتفاخر بالمال والجاه والأعوان، والأقرباء تفاخر بأخس المراتب، والاشتغال به يمنع الإنسان من الاشتغال بتحصيل السّعادة الأخروية التي هي سعادة الأبد، ويدل على أن المكاثرة، والمفاخرة بالمال مذمومة، ما روي عن مطرف بن عبد اللّه بن الشخير عن أبيه قال : انتهيت إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وهو يقرأ هذه الآية أَلْهاكُمُ التَّكاثُرُ «فقال يقول ابن آدم مالي مالي وهل لك من مالك إلا ما تصدقت فأمضيت أو أكلت فأفنيت أو لبست فأبليت» أخرجه التّرمذي وقال حديث حسن صحيح (خ) عن أنس بن مالك قال : قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم «يتبع الميت ثلاثة فيرجع اثنان ويبقى معه واحد يتبعه ماله وأهله وعمله فيرجع أهله وماله ويبقى عمله» حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقابِرَ أي حتى متم ودفنتم في المقابر يقال لمن مات زار قبره وزار رمسه، فيكون معنى الآية ألهاكم حرصكم على تكثير أموالكم عن طاعة ربكم حتى أتاكم الموت، وأنتم على ذلك قيل نزلت هذه الآية في اليهود، قالوا نحن أكثر من بني فلان، وبنو فلان أكثر من بني فلان، شغلهم ذلك حتى ماتوا ضلالا، وقيل نزلت في حيين من قريش، وهما بنو عبد مناف، وبنو سهم بن عمرو، وكان بينهم تفاخر فتعادوا القادة، والأشراف أيّهم أكثر فقال بنو عبد مناف نحن أكثر سيدا، وأعز عزيزا، وأعظم نفرا، وأكثر عددا، وقال بنو سهم مثل ذلك، فكاثرهم بنو عبد مناف، ثم قالوا نعد موتانا فعدوا الموتى حتى زار والقبور، فعدوهم فقالوا هذا قبر فلان وهذا قبر فلان فكثرهم بنو سهم بثلاثة أبيات لأنهم كانوا في الجاهلية أكثر عددا فأنزل اللّه هذه الآية، وهذا القول أشبه بظاهر القرآن لأن قوله حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقابِرَ يدل على أمر مضى، فكأنه تعالى يعجبهم من أنفسهم ويقول مجيبا هب إنكم أكثر عددا، فما ذا ينفع ثم رد اللّه تعالى عليهم فقال :
[سورة التكاثر (١٠٢) : الآيات ٣ الى ٨]
كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ (٣) ثُمَّ كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ (٤) كَلاَّ لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ (٥) لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ (٦) ثُمَّ لَتَرَوُنَّها عَيْنَ الْيَقِينِ (٧)
ثُمَّ لَتُسْئَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ (٨)
كَلَّا أي ليس الأمر كما يتوهمه هؤلاء بالتّكاثر والتّفاخر، وقيل المعنى حقا سَوْفَ تَعْلَمُونَ وعيد لهم