لباب التأويل، ج ٤، ص : ٤٧
يختصم الملأ الأعلى قلت لا قال فوضع يده بين كتفي حتى وجدت بردها بين ثديي أو قال في نحري فعلمت ما في السموات وما في الأرض قال يا محمد هل تدري فيم يختصم الملأ الأعلى؟ قلت نعم في الكفارات والكفارات المكث في المساجد بعد الصلوات والمشي على الأقدام إلى الجمعات وإسباغ الوضوء على المكاره ومن فعل ذلك عاش بخير ومات بخير وخرج من خطيئته كيوم ولدته أمه وقال يا محمد إذا صليت فقل : اللهم إني أسألك فعل الخيرات وترك المنكرات وحب المساكين وإذا أردت بعبادك فتنة فاقبضني إليك غير مفتون قال والدرجات إفشاء السلام وإطعام الطعام والصلاة بالليل والناس نيام» وفي رواية «فقلت لبيك وسعديك في المرتين» وفيها «فعلمت ما بين المشرق والمغرب» أخرجه الترمذي وقال حديث حسن غريب.
(فصل : في الكلام على معنى هذا الحديث) وللعلماء في هذا الحديث وفي أمثاله من أحاديث الصفات مذهبان أحدهما وهو مذهب السلف إمراره كما جاء من غير تكييف ولا تشبيه ولا تعطيل والإيمان به من غير تأويل له والسكوت عنه وعن أمثاله مع الاعتقاد بأن اللّه تعالى ليس كمثله شيء وهو السميع البصير.
المذهب الثاني : هو تأويل الحديث، وقيل الكلام على معنى الحديث نتكلم على إسناده فنقول قال البيهقي : هذا حديث مختلف في إسناده فرواه زهير بن محمد عن يزيد بن يزيد عن جابر عن خالد بن الحلاج عن عبد الرّحمن بن عائش عن رجل من أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ورواه جهضم بن عبد اللّه عن يحيى بن أبي كثير عن زيد بن سلام عن عبد الرّحمن بن عائش الحضرمي عن مالك بن عامر عن معاذ بن جبل عن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم، ورواه موسى بن خلف العمي عن يحيى عن زيد عن جده ممطور وهو أبو سلام عن ابن السكسكي عن مالك بن يخامر وقيل فيه غير ذلك، ورواه أبو أيوب عن أبي قلابة عن ابن عباس وقال فيه أحسبه قال في المنام، ورواه قتادة عن أبي قلابة عن خالد بن الحلاج عن ابن عباس قال البخاري عبد الرّحمن بن عائش الحضرمي له حديث واحد إلا أنهم يضطربون فيه وهو حديث الرؤية. قال البيهقي وقد روى من طرق كلها ضعاف وفي ثبوته نظر وأحسن طريق فيه رواية جهضم بن عبد اللّه ثم رواية موسى بن خلف وفيهما ما يدل على أن ذلك كان في المنام.
فأما تأويله فإن الصورة هي التركيب والمصور هو المركب ولا يجوز أن يكون الباري تبارك وتعالى مصورا ولا أن يكون له صورة لأن الصور مختلفة والهيئات متضادة ولا يجوز إضافة ذلك إليه سبحانه وتعالى فاستحال أن يكون مصورا وهو الخالق الباري المصور فقوله أتاني ربي في أحسن صورة يحتمل وجهين أحدهما وأنا في أحسن صورة كأنه زاده جمالا وكمالا وحسنا عند رؤيته وفائدة ذلك تعريفه لنا أن اللّه تعالى زين خلقته وحسن صورته عند رؤيته لربه وإنما التغيير وقع بعد لشدة الوحي وثقله.
الوجه الثاني : أن الصورة بمعنى الصفة ويرجع ذلك إلى اللّه تعالى والمعنى أنه رآه في أحسن صفاته من الإنعام عليه والإقبال والاتصال إليه وأنه تلقاه بالإكرام والإعظام والإجلال. وقد يقال في صفات اللّه تعالى إنه جميل ومعناه أنه مجمل في أفعاله وذلك نوع من الإحسان والإكرام فذلك من حسن صفة اللّه تعالى وقد يكون حسن الصورة أيضا يرجع إلى صفاته العلية من التناهي في العظمة والكبرياء والعلو والعز والرفعة حتى لا منتهى ولا غاية وراءه، ويكون معنى الحديث على هذا تعريفنا ما تزايد من معارفه صلّى اللّه عليه وسلّم عند رؤية ربه عزّ وجلّ فأخبر عن عظمته وعزته وكبريائه وبهائه وبعده عن شبه الخلق وتنزيهه عن صفات النقص وأنه ليس كمثله شيء وهو السميع البصير وقوله صلّى اللّه عليه وسلّم «فوضع يده بين كتفي حتى وجدت بردها بين ثديي» فتأويله أن المراد باليد النعمة والمنة والرحمة وذلك شائع في لغة العرب فيكون معناه على هذا الإخبار بإكرام اللّه تعالى إياه وإنعامه عليه بأن شرح صدره ونور قلبه وعرفه ما لا يعرفه أحد حتى وجد برد النعمة والمعرفة في قلبه وذلك لما نور قلبه وشرح صدره


الصفحة التالية
Icon