لباب التأويل، ج ٤، ص : ٤٩١
حتى استؤمن لها رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فعاشت حتى أوطأها رجل من الناس
فرسا له في زمن عمر بن الخطاب بالأبطح فقتلها، وأما الحويرث ابن نقيد فقتله علي بن أبي طالب قالت أم هانئ : لما نزل رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بأعلى مكة فر إليّ رجلين من أحمائي من بني مخزوم، وكانت عند هبيرة بن أبي وهب المخزومي قالت : فدخل عليّ علي بن أبي طالب أخي فقال : واللّه لأقتلنهما، فأغلقت عليهما باب بيتي، ثم جئت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، وهو بأعلى مكة، فوجدته يغتسل من جفنة وإن فيها لأثر العجين، وفاطمة ابنته تستره بثوبه فلما اغتسل أخذ ثوبه فتوشح به، ثم صلى ثمان ركعات الضحى، ثم انصرف إليّ فقال مرحبا وأهلا بأم هانئ ما جاء بك؟ فأخبرته خبر الرجلين وخبر علي بن أبي طالب فقال : قد أجرنا من أجرت وأمنّا من أمنت فلا نقتلهما ثم إن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم خرج لما اطمأن الناس حتى جاء البيت فطاف به سبعا على راحلته يستلم الركن بمحجن في يده فلما قضى طوافه دعا عثمان بن طلحة، وأخذ منه مفتاح الكعبة ففتحت له فدخلها فوجد فيها حمامة من عيدان فكسرها بيده ثم طرحها، ثم وقف على باب الكعبة، وقد استكف له الناس في المسجد فقال : لا إله إلا اللّه وحده لا شريك له صدق وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده، ألا كل مأثرة أو دم أو مال يدعى فهي تحت قدمي هاتين إلا سدانة البيت، وسقاية الحاج ألا قتل الخطأ شبه العمد بالسوط، والعصا، ففيه الدية مغلظة مائة من الإبل أربعون منها خلفة في بطونها أولادها.
يا معشر قريش إن اللّه قد أذهب عنكم نخوة الجاهلية، وتعظمها بالآباء، الناس من آدم وآدم من تراب، ثم تلا هذه الآية : يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى الآية ثم قال يا معشر قريش ما ترون إني فاعل فيكم، قالوا خيرا أخ كريم وابن أخ كريم قال فاذهبوا فأنتم الطلقاء، فأعتقهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم في المسجد، وكان اللّه أمكنه منهم عنوة فبذلك سموا أهل مكة الطلقاء، ثم جلس رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فقام إليه علي بن أبي طالب ومفتاح الكعبة بيده فقال : يا رسول اللّه اجمع لنا بين الحجابة، والسقاية فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أين عثمان بن طلحة فدعي له فقال هاك مفتاحك يا عثمان اليوم يوم وفاء وبر، قال واجتمع الناس للبيعة فجلس إليهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم على الصفا، وعمر بن الخطاب أسفل منه يأخذ على الناس.
فبايعونه على السمع والطاعة فيما استطاعوا، فلما فرغ من بيعة الرجال بايع النساء قال عروة بن الزبير : خرج صفوان بن أمية يريد جدة ليركب منها إلى اليمن فقال عمير بن وهب الجمحي يا رسول اللّه إن صفوان بن أمية سيد قومي قد خرج هاربا منك ليقذف بنفسه في البحر، فأمنه يا رسول اللّه، فقال هو آمن قال : يا رسول اللّه أعطني شيئا يعرف به أمانك، فأعطاه رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم عمامته التي دخل بها مكة، فخرج بها عمير حتى أدركه بجدة، وهو يريد أن يركب البحر فقال يا صفوان فداك أبي وأمي أذكرك اللّه في نفسك أن تهلكها، فهذا أمان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم جئتك به؟ فقال ويلك أغرب عني لا تكلمني قال : فداك أبي وأمي أفضل الناس، وأبر النّاس وأحلم الناس، وخير الناس ابن عمتك عزه عزك وشرفه شرفك، وملكه ملكك، قال إني أخافه على نفسي قال : هو أحلم من ذلك، وأكرم فرجع به معه حتى وقف به على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فقال صفوان : إن هذا يزعم أنك آمنتني قال صدق، قال فاجعلني في ذلك بالخيار شهرين قال : أنت بالخيار أربعة أشهر «قال ابن هشام وبلغني أن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم حين افتتح مكة، ودخلها قام على الصّفا يدعو، وقد أحدقت به الأنصار فقالوا فيما بينهم أترون أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم إذا فتح اللّه عليه مكة أرضه، وبلاده يقيم بها فلما فرغ من دعائه قال ماذا قلتم قالوا لا شيء يا رسول اللّه فلم يزل بهم حتى أخبروه.
فقال النّبي صلّى اللّه عليه وسلّم معاذ اللّه المحيا محياكم والممات مماتكم» قال ابن إسحاق : وكان جميع من شهد فتح مكة من المسلمين عشرة آلاف، وكان فتح مكة لعشر ليال بقين من رمضان سنة ثمان، وأقام رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بمكة بعد فتحها خمس عشرة ليلة يقصر الصلاة ثم خرج إلى هوازن وثقيف، وقد نزلوا حنينا (ق) عن أبي هريرة أن خزاعة قتلوا رجلا من بني ليث عام الفتح بقتيل لهم في الجاهلية فقام رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم في الناس فحمد اللّه، وأثنى عليه وقال : إن اللّه حبس عن مكة الفيل، وسلط عليها رسوله والمؤمنين ألا وإنها لم تحل لأحد قبلي، ولا تحل لأحد