لباب التأويل، ج ٤، ص : ٥٠٠
على الناس منه شرا». وفي رواية للبخاري «أنه كان يرى أنه يأتي النساء، ولا يأتيهن قال سفيان وهذا أشد ما يكون من السحر إذا كان كذلك» عن زيد بن أرقم قال «سحر رجل من اليهود النبي صلّى اللّه عليه وسلّم فاشتكى ذلك أياما فأتاه جبريل فقال إن رجلا من اليهود سحرك، وعقد لك عقدا في بئر كذا فأرسل رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم عليا فاستخرجها، فجاء بها فحلها فجعل كلما حل عقدة وجد لذلك خفة فقام رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم كأنما نشط من عقال، فما ذكر ذلك لليهودي، ولا رآه في وجهه قط» أخرجه النسائي وروي «أنه كان تحت صخرة في البئر فرفعوا الصخرة وأخرجوا جف الطلعة، فإذا فيه مشاطة من رأسه صلّى اللّه عليه وسلّم وأسنان من مشطه»، وقيل كان في وتر عقد عليه إحدى عشرة عقدة وقيل كان مغروزا بالإبر فأنزل اللّه هاتين السورتين، وهما إحدى عشرة آية سورة الفلق خمس آيات، وسورة الناس ست آيات، فكان كلما قرأ آية انحلت عقدة حتى انحلت العقد كلها، فقام النبي صلّى اللّه عليه وسلّم كأنما نشط من عقال وروي «أنه لبث ستة أشهر، واشتد عليه ذلك ثلاث ليال فنزلت المعوذتان» (م) عن أبي سعيد الخدري «أن جبريل أتى النبي صلّى اللّه عليه وسلّم، فقال يا محمد اشتكيت قال نعم قال بسم اللّه أرقيك من كل شيء يؤذيك، ومن شر كل نفس أو عين حاسد اللّه يشفيك بسم اللّه أرقيك».
(فصل وقبل الشروع في التفسير نذكر معنى الحديث، وما قيل فيه، وما قيل في السحر، وما قيل في الرقى) قولها في الحديث إن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم سحر حتى كان يخيل إليه أنه يصنع الشيء، ولم يصنعه.
قال الإمام المازري : مذهب أهل السّنة، وجمهور علماء الأمة على إثبات السحر، وأن له حقيقة كحقيقة غيره من الأشياء الثّابتة خلافا لمن أنكر ذلك، ونفى حقيقته، وأضاف ما يقع منه إلى خيالات باطلة لا حقائق لها، وقد ذكره اللّه في كتابه، وذكر أنه مما يتعلم، وذكر ما فيه إشارة إلى أنه مما يكفر به، وأنه يفرق بين المرء، وزوجه وهذا كله لا يمكن أن يكون مما لا حقيقة له وهذا الحديث الصحيح مصرح بإثباته، ولا يستنكر في العقل أن اللّه تعالى يخرق العادة عند النطق بكلام ملفق أو تركيب أجسام أو المزج بين قوي لا يعرفها إلا الساحر، وأنه لا فاعل إلا اللّه تعالى، وما يقع من ذلك فهو عادة أجراها اللّه تعالى على يد من يشاء من عباده.
فإن قلت المستعاذ منه هل هو بقضاء اللّه، وقدره فذلك قدح في القدرة.
قلت كل ما وقع في الوجود هو بقضاء اللّه وقدره، والاستشفاء بالتّعوذ، والرّقى من قضاء اللّه، وقدره يدل على صحة ذلك. ما روى التّرمذي عن ابن أبي خزامة عن أبيه قال :«سألت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فقلت يا رسول اللّه أرأيت رقى نسترقي بها، ودواء نتداوى به، وتقاة نتقيها هل ترد من قدر اللّه شيئا، قال : هي من قدر اللّه تعالى» قال التّرمذي : هذا حديث حسن وعن عمر نفر من قدر اللّه إلى قدر اللّه تعالى.
(فصل) وقد أنكر بعض المبتدعة حديث عائشة المتفق عليه، وزعم أنه يحط منصب النّبوة ويشكك فيها وأن تجويزه يمنع الثّقة بالشّرع.
ورد على هذا المبتدع بأن الذي ادعاه باطل لأن الدّلائل القطعية، والنقلية قد قامت على صدقه صلّى اللّه عليه وسلّم، وعصمته فيما يتعلق بالتبليغ، والمعجزة شاهدة بذلك، وتجويز ما قام الدليل بخلافه باطل.
وأما ما يتعلق ببعض أمور الدنيا، وهو ما يعرض للبشر فغير بعيد أن يخيل إليه من أمور الدنيا ما لا حقيقة له.