لباب التأويل، ج ٤، ص : ٦٨
[سورة غافر (٤٠) : الآيات ٤ الى ٧]
ما يُجادِلُ فِي آياتِ اللَّهِ إِلاَّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَلا يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي الْبِلادِ (٤) كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَالْأَحْزابُ مِنْ بَعْدِهِمْ وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ وَجادَلُوا بِالْباطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ فَأَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كانَ عِقابِ (٥) وَكَذلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ أَصْحابُ النَّارِ (٦) الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْماً فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذابَ الْجَحِيمِ (٧)
ما يُجادِلُ يعني ما يخاصم ويحاجج في آيات اللّه يعني في دفع آيات اللّه بالتكذيب والإنكار إلا الذين كفروا قال أبو العالية آيتان ما أشدهما على الذين يجادلون في القرآن.
قوله تعالى : ما يُجادِلُ فِي آياتِ اللَّهِ إِلَّا الَّذِينَ كَفَرُوا وقوله وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتابِ لَفِي شِقاقٍ بَعِيدٍ وعن أبي هريرة رضي اللّه تعالى عنه عن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم قال «إن جدالا في القرآن كفر» أخرجه أبو داود وقال المراد في القرآن كفر وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال «سمع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قوما يتمارون فقال إنما هلك من كان قبلكم بهذا ضربوا كتاب اللّه عز وجل بعضه ببعض وإنما أنزل الكتاب يصدق بعضه بعضا فلا تكذبوا بعضه ببعض فما علمتم منه فقولوه وما جهلتم منه فكلوه إلى عالمه» (م) عن عبد اللّه بن عمرو بن العاص قال :
هاجرت إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يوما فسمع أصوات رجلين اختلفا في آية فخرج رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يعرف في وجهه الغضب فقال «إنما هلك من كان قبلكم باختلافهم في الكتاب» فَلا يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ يعني تصرفهم فِي الْبِلادِ للتجارات وسلامتهم فيها مع كفرهم فإن عاقبة أمرهم العذاب كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَالْأَحْزابُ مِنْ بَعْدِهِمْ يعني الكفار الذين تحزبوا على أنبيائهم بالتكذيب من بعد قوم نوح وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ قال ابن عباس ليقتلوه ويهلكوه وقيل ليأسروه وَجادَلُوا يعني خاصموا بِالْباطِلِ لِيُدْحِضُوا يعني ليبطلوا بِهِ الْحَقَّ الذي جاءت به الرسل فَأَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كانَ عِقابِ يعني أنزلت بهم من الهلاك ما هموا هم بإنزاله بالرسل وقيل معناه فكيف كان عقابي إياهم أليس كان مهلكا مستأصلا وَكَذلِكَ حَقَّتْ أي وجبت كَلِمَةُ رَبِّكَ يعني كما وجبت كلمة العذاب على الأمم المكذبة حقت عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا يعني من قومك أَنَّهُمْ يعني بأنهم أَصْحابُ النَّارِ قوله عز وجل : الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ قيل حملة العرش اليوم أربعة فإذا كان يوم القيامة أردفهم اللّه تعالى بأربعة أخر كما قال اللّه تعالى : وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمانِيَةٌ وهم أشرف الملائكة وأفضلهم لقربهم من اللّه عز وجل وهم على صورة الأوعال وجاء في الحديث إن لكل ملك منهم وجه رجل ووجه أسد ووجه ثور ووجه نسر، ولكل واحد منهم أربعة أجنحة جناحان منها على وجهه مخافة أن ينظر إلى العرش فيصعق وجناحان يهفو بهما في الهواء ليس لهم كلام غير التسبيح والتحميد والتمجيد ما بين أظلافهم إلى ركبهم كما بين سماء إلى سماء وقال ابن عباس : حملة العرش ما بين كعب أحدهم إلى أسفل قدميه مسيرة خمسمائة عام، ويروي أن أقدامهم في تخوم الأرضين و
الأرضون والسموات إلى حجزهم تسبيحهم سبحان ذي العزة والجبروت سبحان ذي الملك والملكوت سبحان الحي الذي لا يموت سبوح قدوس رب الملائكة والروح وقيل إن أرجلهم في الأرض السفلى ورؤوسهم خرقت العرش وهم خشوع لا يرفعون طرفهم وهم أشد خوفا من أهل السماء السابعة وأهل السماء السابعة أشد خوفا من التي تليها والتي تليها أشد خوفا من التي تليها.
وروى جابر عن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم قال «أذن لي أن أحدث عن ملك من ملائكة اللّه عز وجل من حملة العرش إن ما بين شحمة أذنه إلى عاتقه مسيرة سبعمائة عام» أخرجه أبو داود وأما صفة العرش فقيل إنه جوهرة خضراء وهو من أعظم المخلوقات خلقا وروى جعفر بن محمد عن أبيه عن جده أنه قال : إن ما بين القائمة من قوائم العرش والقائمة الثانية كخفقان الطير المسرع ثلاثين ألف عام ويكسى العرش كل يوم ألف لون من النور لا يستطيع أن ينظر إليه خلق من خلق اللّه تعالى والأشياء كلها في العرش كحلقة في فلاة وقال مجاهد بين السماء السابعة وبين العرش سبعون ألف حجاب حجاب نور وحجاب ظلمة وحجاب نور وحجاب ظلمة وقيل إن العرش قبلة لأهل السماء كما أن الكعبة قبلة لأهل الأرض قوله : وَمَنْ حَوْلَهُ يعني الطائفين به وهم الكروبيون وهم سادات الملائكة، قال وهب بن منبه : إن حول العرش سبعين ألف صف من الملائكة صف خلف صف يطوفون بالعرش يقبل هؤلاء ويدبر هؤلاء فإذا استقبل بعضهم بعضا هلل هؤلاء وكبر هؤلاء ومن ورائهم سبعون ألف صف قيام أيديهم إلى أعناقهم قد وضعوها على عواتقهم فإذا سمعوا تكبير أولئك وتهليلهم رفعوا أصواتهم فقالوا سبحانك


الصفحة التالية
Icon