لباب التأويل، ج ٤، ص : ٧٦
[سورة غافر (٤٠) : الآيات ٥٣ الى ٥٧]
وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْهُدى وَأَوْرَثْنا بَنِي إِسْرائِيلَ الْكِتابَ (٥٣) هُدىً وَذِكْرى لِأُولِي الْأَلْبابِ (٥٤) فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكارِ (٥٥) إِنَّ الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطانٍ أَتاهُمْ إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلاَّ كِبْرٌ ما هُمْ بِبالِغِيهِ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (٥٦) لَخَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (٥٧)
وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْهُدى يعني النبوة وقيل التوراة وَأَوْرَثْنا بَنِي إِسْرائِيلَ الْكِتابَ يعني التوراة وقيل سائر الكتب المنزلة على أنبيائهم هُدىً وَذِكْرى لِأُولِي الْأَلْبابِ قوله تعالى : فَاصْبِرْ أي يا محمد على أذاهم إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ أي في إظهار دينك وإهلاك أعدائك قال الكلبي نسخت آية القتال آية الصبر وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ يعني الصغائر وهذا على قول من يجوزها على الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وقيل يعني على ترك الأولى والأفضل وقيل على ما صدر منه قبل النبوة وعند من لا يجوز الصغائر على الأنبياء يقول هذا تعبد من اللّه تعالى لنبيه صلّى اللّه عليه وسلّم ليزيده درجة ولتصير سنة لغيره من بعده وذلك لأن مجامع الطاعات محصورة في قسمين التوبة عما لا ينبغي، والاشتغال بما ينبغي والأول مقدم وهو التوبة من الذنوب والثاني الاشتغال بالطاعات وهو قوله تعالى :
وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ
أي نزه ربك عما لا يليق بجلاله وقيل صل شاكرا لربك بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكارِ يعني صلاة العصر وصلاة الفجر وقال ابن عباس الصلوات الخمس إِنَّ الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطانٍ أَتاهُمْ يعني كفار قريش إِنْ فِي صُدُورِهِمْ يعني ما في قلوبهم إِلَّا كِبْرٌ قال ابن عباس ما حملهم على تكذيبك إلا ما في صدورهم من الكبر والعظمة ما هُمْ بِبالِغِيهِ يعني ببالغي مقتضى ذلك الكبر وقيل معناه إن في صدورهم إلا كبر على محمد صلّى اللّه عليه وسلّم وطمع أن يغلبوه وما هم ببالغي ذلك وقيل نزلت في اليهود وذلك أنهم قالوا للنبي صلّى اللّه عليه وسلّم إن صاحبنا المسيح بن داود يعنون الدجال يخرج في آخر الزمان فيبلغ سلطانه البر والبحر ويرد الملك إلينا قال اللّه تعالى :
فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ أي من فتنة الدجال إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ يعني لأقوالهم الْبَصِيرُ يعني بأفعالهم.
قوله عز وجل : لَخَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يعني مع عظمهما أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ أي من إعادتهم بعد الموت والمعنى أنهم مقرون أن اللّه تعالى خلق السموات والأرض وذلك أعظم في الصدور من خلق الناس فكيف لا يقرون بالبعث بعد الموت وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ يعني أن الكفار لا يعلمون حيث لا يستدلون بذلك على توحيد خالقها، وقال قوم معنى أكبر من خلق الناس أي أعظم من خلق الدجال ولكن أكثر الناس لا يعلمون يعني اليهود الذين يخاصمون في أمر الدجال.
(فصل في ذكر الدجال) (م) عن هشام بن عروة قال سمعت النبي صلّى اللّه عليه وسلّم يقول «ما بين خلق آدم إلى قيام الساعة خلق أكبر من الدجال» معناه أكبر فتنة وأعظم شوكة من الدجال (ق) عن ابن عمر رضي اللّه تعالى عنهما «أن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم ذكر الدجال فقال إنه أعور العين اليمنى كأنها عنبة طافئة» ولأبي داود والترمذي عنه قال «قام النبي صلّى اللّه عليه وسلّم في الناس فأثنى على اللّه بما هو أهله ثم ذكر الدجال فقال إني أنذركموه وما من نبي إلا وقد أنذره قومه لقد أنذر نوح قومه ولكني سأقول لكم فيه قولا لم يقله نبي لقومه تعلمون أنه أعور وأن اللّه ليس بأعور» (ق) عن أنس رضي اللّه عنه قال : قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم «ما من نبي إلا وقد أنذر قومه الأعور الكذاب ألا إنه أعور وإن ربكم ليس بأعور مكتوب بين عينيه كافر» وفي رواية لمسلم «بين عينيه كافر ثم تهجى ك ف ر ويقرؤه كل مسلم» عن أسماء بنت يزيد الأنصارية قالت «كان