لباب التأويل، ج ٤، ص : ٧٩
[سورة غافر (٤٠) : الآيات ٦١ الى ٦٩]
اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهارَ مُبْصِراً إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ (٦١) ذلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ (٦٢) كَذلِكَ يُؤْفَكُ الَّذِينَ كانُوا بِآياتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ (٦٣) اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَراراً وَالسَّماءَ بِناءً وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ ذلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَتَبارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعالَمِينَ (٦٤) هُوَ الْحَيُّ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (٦٥)
قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَمَّا جاءَنِي الْبَيِّناتُ مِنْ رَبِّي وَأُمِرْتُ أَنْ أُسْلِمَ لِرَبِّ الْعالَمِينَ (٦٦) هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ ثُمَّ لِتَكُونُوا شُيُوخاً وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى مِنْ قَبْلُ وَلِتَبْلُغُوا أَجَلاً مُسَمًّى وَلَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (٦٧) هُوَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ فَإِذا قَضى أَمْراً فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (٦٨) أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِ اللَّهِ أَنَّى يُصْرَفُونَ (٦٩)
قوله عز وجل : اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ أي لتحصل لكم الراحة فيه بسبب النوم والسكون وَالنَّهارَ مُبْصِراً أي لتحصل لكم فيه مكنة التصرف في حوائجكم ومهماتكم إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ ذلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ أي ذلكم المميز بالأفعال الخاصة التي لا يشاركه فيها أحد هو اللّه ربكم خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ أي هو الجامع لهذه الأوصاف من الإلهية والربوبية وخلق الأشياء كلها وأنه لا شريك له في ذلك فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ أي فأنى تصرفون عن الحق كَذلِكَ أي كما أفكنتم عن الحق مع قيام الدلائل كذلك يُؤْفَكُ الَّذِينَ كانُوا بِآياتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَراراً أي فراشا لتستقروا عليها وقيل منزلا في حال الحياة وبعد الموت وَالسَّماءَ بِناءً أي سقفا مرفوعا كالقبة وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ أي خلقكم فأحسن خلقكم قال ابن عباس خلق ابن آدم قائما معتدلا يأكل ويتناول بيده وغير ابن آدم يتناول بفيه وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ قيل هو ما خلق اللّه تعالى لعباده من المأكل والمشرب من غير رزق الدواب ذلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَتَبارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعالَمِينَ هُوَ الْحَيُّ وهذا يفيد الحصر أي لا حي إلا هو فوجب أن يحمل ذلك على الذي يمتنع أن يموت امتناعا تاما ثابتا وهو اللّه تعالى الذي لا يوصف بالحياة الكاملة إلا هو، والحي هو المدرك الفعال لما يريد وهذه إشارة إلى العلم التام والقدرة التامة ولما نبه على هذه الصفات نبه على كمال الوحدانية بقوله لا إِلهَ إِلَّا هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ أي فادعوه واحمدوه، قال ابن عباس من قال لا إله إلا اللّه فليقل على أثرها الحمد للّه رب العالمين قُلْ
إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَمَّا جاءَنِي الْبَيِّناتُ مِنْ رَبِّي وَأُمِرْتُ أَنْ أُسْلِمَ لِرَبِّ الْعالَمِينَ وذلك حين دعي إلى الكفر أمره اللّه تعالى أن يقول ذلك.
قوله تعالى : هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ يعني أصلكم آدم وقيل يحتمل أن كل إنسان خلق من تراب لأنه خلق من النطفة وهي من الأغذية والأغذية من النبات والنبات من التراب ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ ثُمَّ لِتَكُونُوا شُيُوخاً يعني أن مراتب الإنسان بعد خروجه من بطن أمه ثلاث الطفولية وهي حالة النمو والزيادة إلى أن يبلغ كمال الأشد من غير ضعف ثم يتناقص بعد ذلك وهي الشيوخة وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى مِنْ قَبْلُ أي من قبل أن يصير شيخا وَلِتَبْلُغُوا أي جميعا أَجَلًا مُسَمًّى أي وقتا محدود لا تجاوزونه يعني