لباب التأويل، ج ٤، ص : ٨٩
ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ قال ابن عباس أمره بالصبر عند الغضب وبالحلم عند الجهل وبالعفو عند الإساءة فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَداوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ أي صديق قريب، قيل نزلت في أبي سفيان بن حرب وذلك حيث لان للمسلمين بعد شدة عداوته بالمصاهرة التي حصلت بينه وبين النبي صلّى اللّه عليه وسلّم فصار وليا بالإسلام حميما بالقرابة وَما يُلَقَّاها أي وما يلقى هذه الخصلة والفعلة وهي دفع السيئة بالحسنة إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا أي على تحمل المكاره وتجرع الشدائد وكظم الغيظ وترك الانتقام وما يلقاها إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ أي من الخير والثواب وقيل الحظ العظيم الجنة يعني ما يلقاها إلا من وجبت له الجنة وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطانِ نَزْغٌ النزغ شبه النخس والشيطان ينزغ الإنسان كأنه ينخسه أي يبعثه إلى ما لا ينبغي ومعنى الآية وإن صرفك الشيطان عما وصيت به من الدفع بالتي هي أحسن فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ أي من شره إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ أي لاستعاذتك الْعَلِيمُ بأحوالك.
قوله تعالى : وَمِنْ آياتِهِ أي ومن دلائل قدرته وحكمته الدالة على وحدانيته اللَّيْلُ وَالنَّهارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلا لِلْقَمَرِ أي إنهما مخلوقان مسخران فلا ينبغي السجود لهما لأن السجود عبارة عن نهاية التعظيم وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ أي المستحق للسجود والتعظيم هو اللّه خالق الليل والنهار والشمس والقمر إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ يعني أن ناسا كانوا يسجدون للشمس والقمر والكواكب ويزعمون أن سجودهم لهذه الكواكب هو سجود للّه عز وجل فنهوا عن السجود لهذه الوسائط وأمروا بالسجود للّه الذي خلق هذه الأشياء كلها فَإِنِ اسْتَكْبَرُوا أي عن السجود للّه فَالَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ يعني الملائكة يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَهُمْ لا يَسْأَمُونَ أي لا يفترون ولا يملون.
(فصل) وهذه السجدة من عزائم سجود التلاوة وفي موضع السجود فيها قولان للعلماء وهما وجهان لأصحاب الشافعي أحدهما أنه عند قوله تعالى : إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ وهو قول ابن مسعود والحسن وحكاه الرافعي عن أبي حنيفة وأحمد لأن ذكر السجدة قبله والثاني وهو الأصح عند أصحاب الشافعي وكذلك نقله الرافعي أنه عند قوله تعالى : وَهُمْ لا يَسْأَمُونَ وهو قول ابن عباس وابن عمر وسعيد بن المسيب وقتادة وحكاه الزمخشري عن أبي حنيفة لأن عنده يتم الكلام.
[سورة فصلت (٤١) : الآيات ٣٩ الى ٤٣]
وَمِنْ آياتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خاشِعَةً فَإِذا أَنْزَلْنا عَلَيْهَا الْماءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ الَّذِي أَحْياها لَمُحْيِ الْمَوْتى إِنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٣٩) إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آياتِنا لا يَخْفَوْنَ عَلَيْنا أَفَمَنْ يُلْقى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَمْ مَنْ يَأْتِي آمِناً يَوْمَ الْقِيامَةِ اعْمَلُوا ما شِئْتُمْ إِنَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (٤٠) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جاءَهُمْ وَإِنَّهُ لَكِتابٌ عَزِيزٌ (٤١) لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ (٤٢) ما يُقالُ لَكَ إِلاَّ ما قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِنْ قَبْلِكَ إِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ وَذُو عِقابٍ أَلِيمٍ (٤٣)
وَمِنْ آياتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خاشِعَةً فَإِذا أَنْزَلْنا عَلَيْهَا الْماءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ الَّذِي أَحْياها لَمُحْيِ الْمَوْتى إِنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ قوله تعالى : إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ أي يميلون عن الحق فِي آياتِنا أي في أدلتنا قيل بالمكاء والتصدية واللغو واللغط وقيل يكذبون بآياتنا ويعاندون ويشاقون لا يَخْفَوْنَ عَلَيْنا تهديد ووعيد قيل نزلت في أبي جهل أَفَمَنْ يُلْقى فِي النَّارِ هو أبو جهل خَيْرٌ أَمْ مَنْ يَأْتِي آمِناً يَوْمَ الْقِيامَةِ المعنى الذين يلحدون في آياتنا يلقون في النار والذين يؤمنون بآياتنا آمنون يوم القيامة قيل هو حمزة وقيل عثمان وقيل عمار بن ياسر اعْمَلُوا ما شِئْتُمْ أمر تهديد ووعيد إِنَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ أي إنه عالم بأعمالكم فيجازيكم عليها