البحر المحيط، ج ١، ص : ١٢٣
الأصح لتعلق الجعل بمعنى الخلق به، والإعدام لا توصف بالخلق، وقد رده بعضهم لمعنى الظلم، وهو المنع، قال : لأن الظلمة تسد البصر وتمنع الرؤية. الإبصار : الرؤية.
صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ جموع كثرة على وزن فعل، وهو قياس في جمع فعلاء وأفعل الوصفين سواء تقابلا، نحو : أحمر وحمراء، أو انفرد المانع في الخلقة، نحو :
عذل ورتق. فإن كان الوصف مشتركا لكن لم يستعملا على نظام أحمر وحمراء، وذلك نحو : رجل آلي وامرأة عجزاء، لم ينقس فيه فعل بل يحفظ فيه. والصمم : داء، يحصل في الأذن يسد العروق فيمنع من السمع، وأصله من الصلابة، قالوا : قناة صماء، وقيل أصله السد وصممت القارورة : سددتها. والبكم : آفة تحصل في اللسان تمنع من الكلام، قاله أبو حاتم، وقيل : الذي يولد أخرس، وقيل : الذي لا يفهم الكلام ولا يهتدي إلى الصواب، فيكون إذ ذاك داء في الفؤاد لا في اللسان. والعمى : ظلمة في العين تمنع من إدراك المبصرات، والفعل منها على فعل بكسر العين، واسم الفاعل على أفعل، وهو قياس الآفات والعاهات. والرجوع، إن لم يتعد، فهو بمعنى : العود، وإن تعدى فبمعنى :
الإعادة. وبعض النحويين يقول : إنها تضمن معنى صار فتصير من باب كان، ترفع الاسم وتنصب الخبر.
قال الزمخشري : لما جاء بحقيقة صفتهم عقبها بذكر ضرب المثل زيادة في الكشف وتتميما للبيان، ولضرب العرب الأمثال واستحضار العلماء المثل والنظائر شأن ليس بالخفي في إبراز خبيئات المعاني ورفع الأستار عن الحقائق، حتى تريك المتخيل في صورة المحقق والمتوهم في معرض المتيقن والغائب بأنه مشاهد، وفيه تبكيت للخصم الألد وقمع لسورة الجامع الآبي، ولأمر ما أكثر اللّه في كتابه المبين وفي سائر كتبه أمثاله، وفشت في كلام رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وكلام الأنبياء والحكماء، فقال اللّه تعالى : وَتِلْكَ الْأَمْثالُ نَضْرِبُها لِلنَّاسِ وَما يَعْقِلُها إِلَّا الْعالِمُونَ «١»، ومن سور الإنجيل سور الأمثال، انتهى كلامه.
ومثلهم : مبتدأ والخبر في الجار والمجرور بعده، والتقدير كائن كمثل، كما يقدر ذلك في سائر حروف الجر. وقال ابن عطية : الخبر الكاف، وهي على هذا اسم، كما هي في قول الأعشى :
أتنتهون ولن ينهى ذوي شطط كالطعن يذهب فيه الزيت والفتل
انتهى.
(١) سورة العنكبوت : ٢٩/ ٤٣.