البحر المحيط، ج ١، ص : ١٤٩
ضلالهم. وقيل : إضاءته لهم : تركهم بلا ابتلاء، ومشيهم فيه : إقامتهم على المسالمة بإظهار ما يظهرونه، وقيل : كلما سمع المنافقون القرآن وحججه أنسوا ومشوا معه، فإذا نزل ما يعمون فيه أو يكلفونه قاموا، أي ثبتوا على نفاقهم. وقيل : كلما توالت عليهم النعم قالوا : دين حق، وإذا نزلت بهم مصيبة سخطوا وثبتوا على نفاقهم. وقيل : كلما خفي نفاقهم مشوا، فإذا افتضحوا قاموا، وقيل : كلما أضاء لهم الحق اتبعوه، فإذا أظلم عليهم بالهوى تركوه. وقيل : ينتفعون بإظهار الإيمان، فإذا وردت محنة أو شدة على المسلمين تحيروا، كما قام أولئك في الظلمات متحيرين. قال الزمخشري : وهذا تمثيل لشدة الأمر على المنافقين بشدته على أصحاب الصيب وما هم فيه من غاية التحير والجهل بما يأتون وما يذرون، إذا صادفوا من البرق خفقة مع خوف أن يخطف أبصارهم، انتهزوا تلك الخفقة فرصة فحطوا خطوات يسيرة، فإذا خفي وفتر لمعانه بقوا واقفين متقيدين عن الحركة، انتهى كلامه.
ومفعول شاء هنا محذوف للدلالة عليه التقدير : ولو شاء اللّه إذهاب سمعهم وأبصارهم. والكلام في الباء في بسمعهم كالكلام فيها في : ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ، وتوحيد السمع تقدم الكلام عليه عند الكلام على قوله : خَتَمَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَعَلى سَمْعِهِمْ.
وقرأ ابن أبي عبلة : لأذهب بأسماعهم وأبصارهم، فالباء زائدة التقدير لأذهب أسماعهم، كما قال بعضهم : مسحت برأسه، يريد رأسه، وخشنت بصدره، يريد صدره، وليس من مواضع قياس زيادة الباء، وجمعه الإسماع مطابق لجمع الإبصار. ومعنى الجملة : أن ذهاب اللّه بسمعهم وأبصارهم كان يقع على تقدير مشيئة اللّه ذلك. وقيل : المعنى لإهلاكهم، لأن في هلاكهم ذهاب سمعهم وأبصارهم. وقيل : وعيد بإذهاب الأسماع والأبصار من أجسادهم حتى لا يتوصلوا بهما إلى ما لهم، كما لم يتوصلوا بهما إلى ما عليهم. وقيل : لأظهر عليهم بنفاقهم فذهب منهم عز الإسلام. وقيل : لأذهب أسماعهم فلا يسمعون الصواعق فيحذرون، ولأذهب أبصارهم فلا يرون الضوء ليمشوا. وقيل، عن ابن عباس : لذهب بسمعهم وأبصارهم لما تركوا من الحق بعد معرفته. وقيل : لعجل لهم العقوبة في الدنيا، فذهب بسمعهم وأبصارهم، فلم ينتفعوا بها في الدنيا، لأنهم لم يستعملوها في الحق فينتفعوا بها في أخراهم. وقيل : لزاد في قصيف الرعد فأصمهم وفي ضوء البرق فأعماهم. وقيل لأوقع بهم ما يتخوفونه من الزجر والوعيد. وقيل : لفضحهم عند المؤمنين وسلطهم عليهم. وقال الزمخشري : لذهب سمعهم بقصيف الرعد وأبصارهم بوميض البرق.