البحر المحيط، ج ١، ص : ١٦٧
فعلى قول أبي العباس يكون كونهم في ريب ماضيا، ويصير نظير ما لو جاء إن كنت أحسنت إليّ فقد أحسنت إليك، إذا حمل على ظاهره ولم يتأول. ولهذا قال بعض المفسرين في قوله : وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ : جرى كلام اللّه فيه على التحقيق، مثال قول الرجل لعبده : إن كنت عبدي فأطعني لأن اللّه تعالى عالم بما تكنه القلوب، قال : وبين هذا أن سبب نزول هذه الآية قول اليهود : وإنا لفي شك مما جاء به، وجعلها بمعنى إذا وكان ماضيه اللفظ والمعنى، أو مثل قول القائل : إن كنت عبدي فأطعني، فرارا من جعل ما بعد إن مستقبل المعنى وذلك ممكن، ولا تنافي بين إن كانوا في ريب فيما مضى وإن تعلق على كونهم في ريب في المستقبل، لأن الماضي من الجائز أن يستدام، بأن يظهر لمعتقد الريب فيما مضى خلاف ذلك فيزول عنه الريب، فقيل : وإن كنتم، أي : وإن تكونوا في ريب، باستصحاب الحالة الماضية التي سبقت لكم، فأتوا، وهذا مثل من يقول لولده العاق له :
إن كنت تعصيني فارحل عني، فمعناه : إن تكن في المستقبل تعصيني فارحل عني، لا يريد التعليق على الماضي، ولا أن إن بمعنى إذا، إذ لا تنافي بين تقدّم العصيان وتعليق الرحيل على وقوعه في المستقبل، ولا حاجة إلى جعل ما يثبت حرفيته بمعنى إذا الظرفية.
وقد تقدّم لنا أنه لا تنافي بين قوله تعالى : لا رَيْبَ فِيهِ وبين قوله : وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ عند الكلام على قوله : لا رَيْبَ فِيهِ. وفي ريب من تنزيل المعاني منزلة الإجرام. ومن تحتمل ابتداء الغاية والسببية، ولا يجوز أن تكون للتبعيض. وما موصولة، أي من الذي نزلنا، والعائد محذوف، أي نزلناه، وشرط حذفه موجود. وأجاز بعضهم أن تكون ما نكرة موصوفة، وقد تقدم لنا الكلام على ما النكرة الموصوفة، ونزلنا التضعيف فيه هنا للنقل، وهو المرادف لهمزة النقل. ويدل على مرادفتهما في هذه الآية قراءة يزيد بن قطيب مما أنزلنا بالهمزة، وليس التضعيف هنا دالا على نزوله منجما في أوقات مختلفة، خلافا للزمخشري، قال : فإن قلت لم قيل : مما نزلنا على لفظ التنزيل دون الإنزال؟ قلت : لأن المراد النزول على التدريج والتنجيم، وهو من مجازه لمكان التحدي.
وهذا الذي ذهب إليه الزمخشري في تضعيف عين الكلمة هنا، هو الذي يعبر عنه بالتكثير، أي يفعل ذلك مرة بعد مرة، فيدل على هذا المعنى بالتضعيف ويعبر عنه بالكثرة.
وذهل الزمخشري عن إن ذلك إنما يكون غالبا في الأفعال التي تكون قبل التضعيف متعدية، نحو : جرحت زيدا، وفتحت الباب، وقطعت، وذبحت، لا يقال : جلس زيد، ولا قعد عمرو، ولا صوم جعفر، ونزلنا لم يكن متعديا قبل التضعيف إنما كان لازما، وتعديه إنما


الصفحة التالية
Icon