البحر المحيط، ج ١، ص : ١٩٨
يزعمون أن ما تكون جزاء في الأصل وتحول إلى لفظ الذي، فينتصب ما بعدها، سواء كان نكرة أم غير نكرة، ويعطف عليه بالفاء فقط، وتلزم ولا يصلح مكانها الواو، ولا ثم، ولا أو، ولا لا، ويجعلون النصب في ذلك الاسم على حذف مضاف، وهو بين. فلما حذف بين، قام هذا مقامه في الإعراب. ويقدرون الفاء بإلى، وقد جاء التصريح بها في بعض المواضع. حكى الكسائي عن العرب : مطرنا ما زبالة فالثعلبية، وما منصوبة بمطرنا.
وحكى الكسائي والفراء عن العرب : هي أحسن الناس ما قرنا، وانتصاب ما في هذه المسألة على التفسير، وتقول : هي حسنة ما قرنها إلى قدمها. قال الفراء : أنشدنا أعرابي من بني سليم :
يا أحسن الناس ما قرنا إلى قدم ولا حبال محب واصل تصل
وقال الكسائي : سمعت أعرابيا نظر إلى الهلال فقال : الحمد للّه ما إهلالك إلى سرارك، وحكى الفراء عن العرب : الشنق ما خما فعشرين. والمعنى فيما تقدم ما بين كذا إلى كذا، وما في هذا المعنى لا تسقط، فخطأ أن يقول : مطرنا زبالة فالثعلبية. وهذا الذي ذهب إليه الكوفيون لا يعرفه البصريون، ورده إلى قواعد البصريين مذكور في غير هذا، والذي نختاره من هذه الأعاريب أن ضرب يتعدى إلى اثنين هو الصحيح، وذلك الواحد هو مثلا لقوله تعالى : ضرب مثل، ولأنه المقدم في التركيب، وصالح لأن ينتصب بيضرب.
وما : صفة تزيد النكرة شياعا، لأن زيادتها في هذا الموضع لا تنقاس. وبعوضة : بدل لأن عطف البيان مذهب الجمهور فيه أنه لا يكون في النكرات، إنما ذهب إلى ذلك الفارسي، ولأن الصفة بأسماء الأجناس لا تنقاس. وقرأ الضحاك، وإبراهيم بن أبي عبلة، ورؤبة بن العجاج، وقطرب : بعوضة بالرفع، واتفق المعربون على أنه خبر، ولكن اختلفوا فيما يكون عنه خبرا، فقيل : خبر مبتدأ محذوف تقديره هو بعوضة، وفي هذا وجهان : أحدهما : أن هذه الجملة صلة لما، وما موصولة بمعنى الذي، وحذف هذا العائد وهذا الإعراب لا يصح إلا على مذهب الكوفيين، حيث لم يشترطوا في جواز حذف هذا الضمير طول الصلة. وأما البصريون فإنهم اشترطوا ذلك في غير أيّ من الموصولات، وعلى مذهبهم تكون هذه القراءة على هذا التخريج شاذة، ويكون إعراب ما على هذا التخريج بدلا، التقدير : مثلا الذي هو بعوضة. والوجه الثاني : أن تكون ما زائدة أو صفة وهو بعوضة وما بعده جملة، كالتفسير لما انطوى عليه الكلام السابق، وقيل : خبر مبتدأ ملفوظ به وهو ما، على أن تكون استفهامية.