البحر المحيط، ج ١، ص : ٢١
في التفسير الغاية التي لا تدرك، والمسلك الوعر الذي لا يكاد يسلك، وعرضتهما على محك النظر، وأوريت فيهما نار الفكر، حتى خلص دسيسهما، وبرز نفيسهما، وسيرى ذلك من هو للنظر أهل، واجتمع فيه إنصاف وعدل، فإنه يتعجب من التولج على الضراغم، والتحرز لأشبالها والأنف راغم، إذ هذان الرجلان هما فارسا علم التفسير، وممارسا تحريره والتحبير. نشراه نشرا، وطار لهما به ذكرا، وكانا متعاصرين في الحياة، متقاربين في الممات.
ولد أبو القاسم محمود بن عمر بن محمد بن عمر الزمخشري بزمخشر، قرية من قرى خوارزم، يوم الأربعاء، السابع عشر لرجب، سنة سبع وستين وأربعمائة، وتوفي بگرگانج، قصبة خوارزم، ليلة عرفة، سنة ثمان وثلاثين وخمسمائة. وولد أبو محمد عبد الحق بن غالب بن عبد الرحمن بن غالب بن تمام بن عبد الرؤوف بن عبد اللّه بن تمام بن عطية المحاربي، من أهل غرناطة، سنة إحدى وثمانين وأربعمائة، وتوفي بلورقة، في الخامس والعشرين لرمضان، سنة إحدى وأربعين وخمسمائة، هكذا ذكره القاضي ابن أبي جمرة في وفاة ابن عطية. وقال الحافظ أبو القاسم بن بشكوال : توفي، يعني ابن عطية، سنة اثنين وأربعين وخمسمائة.
وكتاب ابن عطية أنقل وأجمع وأخلص، وكتاب الزمخشري ألخص وأغوص، إلا أن الزمخشري قائل بالطفرة، ومقتصر من الذؤابة على الوفرة، فربما سنح له آبى المقادة فأعجزه اغتياصه، ولم يمكنه لتأنيه اقتناصه، فتركه عقلا لمن يصطاده، وغفلا لمن يرتاده، وربما ناقض هذا المنزع، فثنى العنان إلى الواضح، والسهل اللائح، وأجال فيه كلاما، ورمى نحو غرضه سهاما، هذا مع ما في كتابه من نصرة مذهبه، وتقحم مرتكبه، وتجشم حمل كتاب اللّه عز وجل عليه، ونسبة ذلك إليه، فمغتفر إساءته لإحسانه، ومصفوح عن سقطه في بعض لإصابته في أكثر تبيانه، فما كان في كتابي هذا من تفسير الزمخشري، رحمه اللّه تعالى، فأخبرني به أستاذنا العلامة أبو جعفر أحمد بن إبراهيم بن الزبير، قراءة مني عليه فيه، وإجازة أيام كنت أبحث معه في كتاب سيبويه، عن القاضي ابن الخطاب محمد بن أحمد بن خليل السكوني، عن أبي طاهر بركات بن إبراهيم بن طاهر الخشوعي وأخبرني به عاليا أبو الحسن علي بن أحمد بن عبد الواحد المقدسي، عرف بابن البخاري في كتابه إلي من دمشق عن أبي طاهر الخشوعي، وهو آخر من حدث عنه عن الزمخشري.