البحر المحيط، ج ١، ص : ٢١٧
لما كان بين خلق الأرض والسماء أعمال من جعل الرواسي والبركة فيها وتقدير الأقوات عطف بثم، إذ بين خلق الأرض والاستواء تراخ يدل على ذلك : قُلْ أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ «١»، الآية. استوى أهل الحجاز على الفتح، ونجد على الإمالة.
وقرىء في السبعة بهما، وفي الاستواء هنا سبعة أقوال : أحدها : أقبل وعمد إلى خلقها وقصد من غير أن يريد فيما بين ذلك خلق شيء آخر، وهو استعارة من قولهم : استوى إليه كالسهم المرسل، إذا قصده قصدا مستويا من غير أن يلوي على شيء، قال معناه الفراء، واختاره الزمخشري، وبين ما الذي استعير منه. الثاني : علا وارتفع من غير تكييف ولا تحديد، قاله الربيع بن أنس، والتقدير : علا أمره وسلطانه، واختاره الطبري. الثالث : أن يكون إلى بمعنى على، أي استوى على السماء، أي تفرد بملكها ولم يجعلها كالأرض ملكا لخلقه، ومن هذا المعنى قول الشاعر :
فلما علونا واستوينا عليهم تركناهم صرعى لنسر وكاسر
ومعنى هذا الاستيلاء كما قال الشاعر :
قد استوى بشر على العراق من غير سيف ودم مهراق
الرابع : أن المعنى تحول أمره إلى السماء واستقر فيها، والاستواء هو الاستقرار، فيكون ذلك على حذف مضاف، أي ثم استوى أمره إلى السماء، أي استقر لأن أوامره وقضاياه تنزل إلى الأرض من السماء، قاله الحسن البصري. والخامس : أن المعنى استوى بخلقه واختراعه إلى السماء، قاله ابن كيسان، ويؤول المعنى إلى القول الأول. السادس :
أن المعنى كمل صنعه فيها، كما تقول : استوى الأمر، وهذا ينبو اللفظ عن الدلالة عليه.
السابع : أن الضمير في استوى عائد على الدخان، وهذا بعيد جدّا يبعده قوله تعالى : ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ وَهِيَ دُخانٌ «٢»، واختلاف الضمائر وعوده على غير مذكور، ولا يفسره سياق الكلام.
وهذه التأويلات كلها فرار عما تقرر في العقول من أن اللّه تعالى يستحيل أن يتصف بالانتقال المعهود في غيره تعالى، وأن يحل فيه حادث أو يحل هو في حادث، وسيأتي الكلام على الاستواء بالنسبة إلى العرش، إن شاء اللّه تعالى. ومعنى التسوية : تعديل خلقهن وتقويمه وإحلاؤه من العوج والفطور، أو إتمام خلقهن وتكميله من قولهم : درهم

_
(١) سورة فصلت : ٤١/ ٩.
(٢) سورة فصلت : ٤١/ ١١.


الصفحة التالية
Icon