البحر المحيط، ج ١، ص : ٢٢٧
يقولون لي أرض الحجاز حديثة فقلت وما لي في سوى الأرض مطلب
وقرأ الجمهور : خليفة، بالفاء، ويحتمل أن يكون بمعنى الخالف، ويحتمل أن يكون بمعنى المخلوف، وإذا كان بمعنى الفاعل كان معناه : القائم مقام غيره في الأمر الذي جعل إليه. والخليفة، قيل : هو آدم لأنه خليفة عن الملائكة الذين كانوا في الأرض، أو عن الجن بني الجان، أو عن إبليس في ملك الأرض، أو عن اللّه تعالى، وهو قول ابن مسعود وابن عباس. والأنبياء هم خلائف اللّه في أرضه، واقتصر على آدم لأنه أبو الخلائف، كما اقتصر على مضر وتميم وقيس، والمراد القبيلة. وقيل : ولد آدم لأنه يخلف بعضهم بعضا : إذا هلكت أمة خلفتها أخرى، قاله الحسن، فيكون مفردا أريد به الجمع، كما جاء : وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ الْأَرْضِ «١» لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ «٢». وقيل : الخليفة اسم لكل من انتقل إليه تدبير أهل الأرض والنظر في مصالحهم، كما أن كل من ولي الروم : قيصر، والفرس : كسرى، واليمن : تبّع. وفي المستخلف فيه آدم قولان : أحدهما : الحكم بالحق والعدل. الثاني : عمارة الأرض، يزرع ويحصد ويبني ويجري الأنهار. وقرأ زيد بن علي وأبو البرهسم عمران : خليقة، بالقاف ومعناه واضح.
وخطاب اللّه الملائكة بقوله : إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً أن كان للملائكة الذين حاربوا مع إبليس الجن، فيكون ذلك عاما بأنه رافعهم إلى السماء ومستخلف في الأرض آدم وذريته. وروي ما يدل على ذلك عن ابن عباس، وهو ما ملخصه : أن اللّه أسكن الملائكة السماء، والجن الأرض، فعبدوا دهرا طويلا ثم أفسدوا وحسدوا، فاقتتلوا، فبعث اللّه إليهم جندا من الملائكة رأسهم إبليس، وكان أشدهم وأعلمهم، فهبطوا الأرض وطردوا الجن إلى شعف الجبال وبطون الأودية وجزائر البحور وسكنوها، وخفف عنهم العبادة، وأعطى اللّه إبليس ملك الأرض وملك سماء الدنيا وخزانة الجنة، فكان يعبد تارة في الأرض وتارة في الجنة، فدخله العجب وقال في نفسه : ما أعطاني اللّه هذا إلا أني أكرم الملائكة عليه. فقال اللّه تعالى له ولجنوده : إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً بدلا منكم ورافعكم إليّ، فكرهوا ذلك لأنهم كانوا أهون الملائكة عبادة، وقالوا : أَتَجْعَلُ الآية.
وإن كان الملائكة، جميع الملائكة. فسبب القول : إرادة اللّه أن يطلع اللّه الملائكة على ما في نفس إبليس من الكبر وأن يظهر ما سبق عليه في علمه.
(١) سورة الأنعام : ٦/ ١٦٥.
(٢) سورة النور : ٢٤/ ٥٥.