البحر المحيط، ج ١، ص : ٢٣٠
يُجادِلُونَ
«١»، في قراءة من نصب، وكذلك : وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ «٢». فقياس الأول الرفع، وقياس الثاني الجزم، فصرفت الواو الفعل إلى النصب، فسميت واو الصرف، وهذا عند البصريين منصوب بإضمار أن بعد الواو. والعجب من ابن عطية أنه ذكر هذا الوجه أولا وثنى بقول المهدوي، ثم قال : والأول أحسن. وكيف يكون أحسن وهو شيء لا يقول به البصريون وفساده مذكور في علم النحو؟ ولما كانت الصلة يفسد، وهو فعل في سياق الإثبات، فلا يدل على التعميم في الفساد. نصوا على أعظم الفساد، وهو سفك الدماء، لأنه به تلاشي الهياكل الجسمانية التي خلقها اللّه، ولو لم ينصوا عليه لجاز أن لا يراد من قولهم : يفسد، وكرر فيها لأن في ذلك تنبيها على أن ما كان محلا للعبادة وطاعة اللّه كيف يصير محلا للفساد؟ كما مر مثله في قوله : وَإِذا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ «٣» ولم يحتج إلى تكرير فيها بعد قوله : ويسفك، اكتفاء بما سبق وتنكبا أن يكرروا فيها ثلاث مرات. ألا ترى أنهم نقدوا على أبي الطيب قوله :
ونهب نفوس أهل النهب أولى بأهل النهب من نهب القماش
وَنَحْنُ نُسَبِّحُ : جملة حالية، والتسبيح التنزيه، قاله قتادة : أو رفع الصوت بذكر اللّه تعالى، قاله المفضل : والخضوع والتذلل، قاله ابن الأنباري، أو الصلاة، أي نصلي لك، من المسبحين : أي من المصلين، قاله ابن مسعود وابن عباس، أو التعظيم، أي ونحن نعظمك، قاله مجاهد، أو تسبيح خاص، وهو : سبحان ذي الملك والملكوت، سبحان ذي العظمة والجبروت، سبحان الحيّ الذي لا يموت. ويعرف هذا بتسبيح الملائكة، أو بقول : سبحان اللّه وبحمده.
وفي حديث
عن عبادة بن الصامت، عن أبي ذر، أن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم سئل : أي الكلام أفضل قال :«ما اصطفى اللّه لملائكته أو لعباده سبحان اللّه وبحمده».
بِحَمْدِكَ : في موضع الحال، والباء فيه للحال، أي نسبح ملتبسين بحمدك، كما تقول : جاء زيد بثيابه، وهي حال متداخلة لأنها حال في حال. وقيل : الباء للسبب، أي بسبب حمدك، والحمد هو الثناء، والثناء ناشىء عن التوفيق للخير والإنعام على المثنى، فنزل الناشئ عن السبب منزلة السبب فقال : ونحن نسبح بحمدك، أي بتوفيقك وإنعامك، والحمد مصدر مضاف

_
(١) سورة الشورى : ٤٢/ ٣٥.
(٢) سورة آل عمران : ٣/ ١٤٢.
(٣) سورة البقرة : ٢/ ١١.


الصفحة التالية
Icon