البحر المحيط، ج ١، ص : ٢٣٦
اللفظ أن اللّه علم آدم الأسماء ولم يبين لنا أسماء مخصوصة، بل دل قوله تعالى : كُلَّها على الشمول، والحكمة حاصلة بتعليم الأسماء، وإن لم تعلم مسمياتها. ويحتمل أن يريد بالأسماء المسميات، فيكون من إطلاق اللفظ ويراد به مدلوله.
ثُمَّ عَرَضَهُمْ : ثم : حرف تراخ، ومهلة علم آدم ثم أمهله من ذلك الوقت إلى أن قال : أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمائِهِمْ ليتقرر ذلك في قلبه ويتحقق المعلوم، ثم أخبره عما تحقق به واستيقنه. وأما الملائكة فقال لهم على وجه التعقيب دون مهلة أَنْبِئُونِي، فلما لم يتقدم لهم تعريف لم يخبروا، ولما تقدم لآدم التعليم أجاب وأخبر ونطق إظهارا لعنايته السابقة به سبحانه. عرضهم خلقهم وعرضهم عليهم، قاله ابن مسعود، أو صورهم لقلوب الملائكة، أو عرضهم وهم كالذر، أو عرض الأسماء، قاله ابن عباس، وفيه جمعها بلفظة هم.
والظاهر أن ضمير النصب في عرضهم يعود على المسميات، وظاهره أنه للعقلاء، فيكون إذ ذاك المعنى بالأسماء أسماء العاقلين، أو يكون فيهم غير العقلاء، وغلب العقلاء. وقرأ أبي ثم عرضها. وقرأ عبد اللّه ثم عرضهن، والضمير عائد على الأسماء، فتكون هي المعروضة، أو يكون التقدير مسمياتها، فيكون المعروض المسميات لا الأسماء. عَلَى الْمَلائِكَةِ : ظاهره العموم، فقيل : هو مراد، وقيل : الملائكة الذين كانوا مع إبليس في الأرض. فَقالَ : الفاء : للتعقيب، ولم يتخلل بين العرض والأمر مهلة بحيث يقع فيها تروّ أو فكر، وذلك أجدر بعدم الإضافة. أَنْبِئُونِي : أمر تعجيز لا تكليف. وقرأ الأعمش :
أنبوني، بغير همز، وقد استدل بقوله : أنبئوني على جواز تكليف ما لا يطاق، وهو استدلال ضعيف، لأنه على سبيل التبكيت، ويدل عليه : إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ. بِأَسْماءِ هؤُلاءِ :
ظاهره حضور أشخاص حالة العرض على الملائكة، ومن قال : إن المعروض إنما هي أسماء فقط، جعل الإشارة إلى أشخاص الأسماء وهي غائبة، إذ قد حضر ما هو منها بسبب وذلك أسماؤها وكأنه قال لهم : في كل اسم لأي شخص هذا الاسم، وهذا فيه بعد وتكلف وخروج عن الظاهر بغير داعية إلى ذلك.
إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ : شرط جوابه محذوف تقديره فأنبئوني يدل عليه أنبئوني السابق، ولا يكون انبئوني السابق هو الجواب، هذا مذهب سيبويه وجمهور البصريين، وخالف الكوفيون وأبو زيد وأبو العباس، فزعموا أن جواب الشرط هو المتقدّم في نحو هذه المسألة، هذا هو النقل المحقق، وقد وهم المهدوي، وتبعه ابن عطية، فزعما أن جواب الشرط محذوف عند المبرد، التقدير : فأنبئوني، إلا إن كانا اطلعا على نقل آخر غريب عن


الصفحة التالية
Icon