البحر المحيط، ج ١، ص : ٢٤٠
وذاك النداء، والضمير في أنبئهم عائد إلى الملائكة، وفي بأسمائهم عائد على المعروضين على الخلاف السابق. قال القشيري : من آثار العناية بآدم عليه السلام لما قال للملائكة :
أنبئوني، داخلهم من هيبة الخطاب ما أخذهم عنهم، لا سيما حين طالبهم بإنبائهم إياه ما لم تحط بهم علومهم. ولما كان حديث آدم رده في الإنباء إليهم فقال : أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمائِهِمْ، ومخاطبة آدم للملائكة لم توجب الاستغراق في الهيبة. فلما أخبرهم آدم عليه السلام بأسماء ما تقاصرت عنه علومهم، ظهرت فضيلته عليهم فقال : أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّماواتِ، يعني ما تقاصرت عنه علوم الخلق وأسلم ما تبدون من الطاعات وتكتمون من اعتقاد الخيرية على آدم. انتهى كلام القشيري.
والجملة المفتتحة بالقول إذا كانت مرتبا بعضها على بعض في المعنى، فالأصح في لسان العرب أنها لا يؤتى فيها بحرف ترتب، اكتفاء بالترتيب المعنوي، نحو قوله تعالى :
قالُوا أَتَجْعَلُ فِيها، أتى بعده، قالَ إِنِّي أَعْلَمُ، ونحو : قالُوا سُبْحانَكَ، قالَ يا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ، ونحو : قالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قالَ إِنَّما يَتَقَبَّلُ اللَّهُ «١»، قالَ أَنَّى يُحْيِي هذِهِ اللَّهُ «٢»، قالَ كَمْ لَبِثْتَ قالَ لَبِثْتُ يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ، قالَ بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عامٍ «٣»، قالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قالَ بَلى وَلكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي، قالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ «٤». وقد جاء في سورة الشعراء من ذلك عشرون موضعا في قصة موسى، على نبينا وعليه أفضل الصلاة والسلام، في إرساله إلى فرعون ومحاورته معه، ومحاورة السحرة، إلى آخر القصة، دون ثلاثة، جاء منها اثنان جوابا وواحد كالجواب، ونحو هذا في القرآن كثير. وقرأ الجمهور :
أنبئهم بالهمز وضم الهاء، وهذا الأصل كما تقول : أكرمهم. وروي عن ابن عباس : أنبئهم بالهمز وكسر الهاء، ووجهه أنه أتبع حركة الهاء لحركة الباء، ولم يعتد بالهمزة لأنها ساكنة، فهي حاجز غير حصين. وقرىء : أنبيهم، بإبدال الهمزة ياء وكسر الهاء. وقرأ الحسن والأعرج وابن كثير من طريق القواس : أنبهم، على وزن أعطهم، قال ابن جني : هذا على إبدال الهمزة ياء، على أنك تقول : أنبيت، كأعطيت، قال : وهذا ضعيف في اللغة لأنه بدل لا تخفيف. والبدل عندنا لا يجوز إلا في ضرورة الشعر. انتهى كلام أبي الفتح. وما ذكر من أنه لا يجوز إلا في ضرورة الشعر ليس بصحيح.
حكى الأخفش في الأوسط : أن العرب تحول من الهمزة موضع اللام ياء، فيقولون :
(١) سورة المائدة : ٥/ ٢٧.
(٢) سورة البقرة : ٢/ ٢٥٩.
(٣) سورة البقرة : ٢/ ٢٥٩.
(٤) سورة البقرة : ٢/ ٢٦٠.