البحر المحيط، ج ١، ص : ٢٥٤
السماء وليست دار الثواب، بل هي جنة الخلد. وقيل : في السماء جنة غير دار الثواب وغير جنة الخلد. ورد قول من قال : إنها بستان في السماء، فلم يصح أن في السماء بساتين غير بساتين الجنة. ومما استدل به من قال : إنها في الأرض قوله تعالى : لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً وَلا تَأْثِيماً إِلَّا قِيلًا سَلاماً سَلاماً «١» ولا لَغْوٌ فِيها وَلا تَأْثِيمٌ «٢»، وَما هُمْ مِنْها بِمُخْرَجِينَ «٣». وقد لغا إبليس فيها وكذب وأخرج منها آدم وحوّاء، ولأنها لو كانت دار الخلد لما وصل إليها إبليس ووسوس لهما حتى أخرجهما، ولأن جنة الخلد دار نعيم وراحة وليست بدار تكليف. وقد تكلف آدم أن لا يأكل من الشجرة، ولأن إبليس كان من الجن المخلوقين من نار السموم. وقد نقل أنه كان من الجن الكفار الذين طردوا في الأرض، ولو كانت جنة الخلد لما دخلتها، ولأنها محل تطهير، فكيف يحسن أن يقع فيها العصيان والمخالفة ويحل بها غير المطهرين؟.
وأجيب عن الآيات أنها محمولة على حالهم بعد دخول الاستقرار والخلود، لا على دخولهم على سبيل المرور والجوار. فقد صح دخول رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم الجنة في ليلة المعراج وفي غيرها، وأنه رآها في حديث الكسوف. وأما دخول إبليس إليها فدخول تسليط تكريم، وذلك إن صح قالوا : والصحيح أنه لم يدخل الجنة بل وقف على بابها وكلمهما، وأراد الدخول فردته الخزنة، وقيل : دخل في جوف الحية مستترا. وأما كونها ليست دار تكليف، فذلك بعد دخولهم فيها للإقامة المستمرة والجزاء بالأعمال الصالحة. وأما الدخول الذي يعقبه الخروج بسبب المخالفة، فلا ينافي التكليف بل لا يكون خاليا منه.
وَكُلا : دليل على أن الخطاب لهما بعد وجود حوّاء، لأن الأمر بالأكل للمعدوم فيه بعد، إلا على تقدير وجوده، والأصل في : كل اؤكل. الهمزة الأولى هي المجتلبة للوصل، والثانية هي فاء الكلمة، فحذفت الثانية لاجتماع المثلين حذف شذوذ، فوليت همزة الوصل الكاف، وهي متحركة، وإنما اجتلبت للساكن، فلما زال موجب اجتلابها زالت هي. قال ابن عطية وغيره : وحذفت النون من كلا للأمر، انتهى كلامه. وهذا الذي ذكر ليس على طريقة البصريين، فإن فعل الأمر عندهم مبني على السكون، فإذا اتصل به ضمير بارز كانت حركة آخره مناسبة للضمير، فتقول : كلي، وكلا، وكلوا، وفي الإناث

_
(١) سورة الواقعة : ٥٦/ ٢٥ - ٢٦.
(٢) سورة الطور : ٥٢/ ٢٣. [.....]
(٣) سورة الحجر : ١٥/ ٤٨.


الصفحة التالية
Icon