البحر المحيط، ج ١، ص : ٢٧٠
المتردد فيه لأمر ما، وسيأتي الكلام على ذلك في نحو : ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذلِكَ لَمَيِّتُونَ «١» إن شاء اللّه.
ولما دخلت للتأكيد في قوله : إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ، قوي التأكيد بتأكيد آخر، وهو لفظة : هُوَ. وقد ذكرنا فائدته في قوله : وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ «٢». وبولغ أيضا في الصفتين بعده، فجاء التواب : على وزن فعال، والرحيم : على وزن فعيل، وهما من الأمثلة التي صيغت للمبالغة. وهذا كله ترغيب من اللّه تعالى للعبد في التوبة والرّجوع إلى الطاعة، وإطماع في عفوه تعالى وإحسانه لمن تاب إليه. والتواب من أسمائه تعالى، وهو الكثير القبول لتوبة العبد، أو الكثير الإعانة عليها. وقد ورد هذا الاسم في كتاب اللّه معرفا ومنكرا، ووصف به تعالى نفسه، فدل ذلك على أنه مما استأثر به تعالى. وذهب بعضهم إلى أنه تعالى لا يوصف به إلا تجوزا، وأجمعوا أنه لا يوصف تعالى بتائب ولا آئب ولا رجاع ولا منيب، وفرق بين إطلاقه على اللّه تعالى وعلى العبد، وذلك لاختلاف صلتيهما.
ألا ترى : فتاب عليه، وتوبوا إلى اللّه؟ فالتوبة من اللّه على العبد هي العطف والتفضل عليه، ومن العبد هي الرّجوع إلى طاعته تعالى، لطلب ثواب، أو خشية عقاب، أو رفع درجات. وأعقب الصفة الأولى بصفة الرحمة، لأن قبول التوبة سببه رحمة اللّه لعبده، وتقدم التواب لمناسبة فتاب عليه، ولحسن ختم الفاصلة بقوله : الرَّحِيمُ. وقد تقدم الكلام في البسملة على لفظة الرحيم وما يتعلق بها، فأغنى ذلك عن إعادته.
قُلْنَا اهْبِطُوا، كرّر القول، إما على سبيل التأكيد المحض، لأن سبب الهبوط كان أول مخالفة، فكرّر تنبيها على ذلك، أو لاختلاف متعلقيهما، لأن الأول علق به العداوة، والثاني علق بإتيان الهدى. وأما لا على سبيل التأكيد، بل هما هبوطان حقيقة، الأول من الجنة إلى السماء، والثاني من السماء إلى الأرض. وضعف هذا الوجه بقوله في الهبوط الأول : وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ، ولم يحصل الاستقرار على هذا التخريج إلا بالهبوط الثاني، فكان ينبغي الاستقرار أن يذكر فيه وبقوله في الهبوط الثاني منها، وظاهر الضمير أنه يعود إلى الجنة، فاقتضى ذلك أن يكون الهبوط الثاني منها.
جَمِيعاً : حال من الضمير في اهبطوا، وقد تقدم الكلام في لفظة جميعا وأنها تقتضي التعميم في الحكم، لا المقارنة في الزمان عند الكلام على قوله تعالى :
(١) سورة المؤمنون : ٢٣/ ١٥.
(٢) سورة التوبة : ٩/ ٨٨.