البحر المحيط، ج ١، ص : ٢٧٤
ويعقوب بالفتح في جميع القرآن، وقرأ ابن محيصن باختلاف عنه بالرفع من غير تنوين وجه قراءة الجمهور مراعاة الرفع في وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ، فرفعوا للتعادل. قال ابن عطية :
والرفع على إعمالها إعمال ليس، ولا يتعين ما قاله، بل الأولى أن يكون مرفوعا بالابتداء لوجهين : أحدهما : أن إعمال لا عمل ليس قليل جدا، ويمكن النزاع في صحته، وإن صح فيمكن النزاع في اقتياسه. والثاني : حصول التعادل بينهما، إذ تكون لا قد دخلت في كلتا الجملتين على مبتدأ ولم تعمل فيهما. ووجه قراءة الزهري ومن وافقه أن ذلك نص في العموم، فينفي كل فرد فرد من مدلول الخوف، وأما الرفع فيجوزه وليس نصا، فراعوا ما دل على العموم بالنص دون ما يدل عليه بالظاهر. وأما قراءة ابن محيصن فخرجها ابن عطية على أنه من إعمال لا عمل ليس، وأنه حذف التنوين تخفيفا لكثرة الاستعمال. وقد ذكرنا ما في إعمال لا عمل ليس، فالأولى أن يكون مبتدأ، كما ذكرناه، إذا كان مرفوعا منونا، وحذف تنوينه كما قال لكثرة الاستعمال، ويجوز أن يكون عري من التنوين لأنه على نية الألف واللام، فيكون التقدير : فلا الخوف عليهم، ويكون مثل ما حكى الأخفش عن العرب : سلام عليكم، بغير تنوين. قالوا : يريدون السلام عليكم، ويكون هذا التخريج أولى، إذ يحصل التعادل في كون لا دخلت على المعرفة في كلتا الجملتين، وإذا دخلت على المعارف لم تجر مجرى ليس، وقد سمع من ذلك بيت للنابغة الجعدي، وتأوله النحاة وهو :
وحلت سواد القلب لا أنا باغيا سواها ولا في حبها متراخيا
وقد لحنوا أبا الطيب في قوله :
فلا الحمد مكسوبا ولا المال باقيا وكنى بقوله : عَلَيْهِمْ عن الاستيلاء والإحاطة، ونزل المعنى منزلة الجرم، ونفى كونه معتليا مستوليا عليهم. وفي ذلك إشارة لطيفة إلى أن الخوف لا ينتفي بالكلية، ألا ترى إلى انصباب النفي على كينونة الخوف عليهم؟ ولا يلزم من كينونة استعلاء الخوف انتفاء الخوف في كل حال، ولذلك قال بعض المفسرين : ليس في قوله : فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ دليل على نفي أهوال يوم القيامة وخوفها عن المطيعين لما وصفه اللّه تعالى ورسوله من شدائد القيامة، إلا أنها مخففة عن المطيعين. فإذا صاروا إلى رحمته، فكأنهم لم يخافوا، وقدم عدم الخوف على عدم الحزن، لأن انتفاء الخوف فيما هو آت آكد من انتفاء الحزن