البحر المحيط، ج ١، ص : ٢٩
المتعدي، وأل فيه للغلبة، كهي في الصعق، فهو وصف لم يستعمل في غير اللّه، كما لم يستعمل اسمه في غيره، وسمعنا مناقبه، قالوا : رحمن الدنيا والآخرة، ووصف غير اللّه به من تعنت الملحدين، وإذا قلت اللّه رحمن، ففي صرفه قولان ليسند أحدهما إلى أصل عام، وهو أن أصل الاسم الصرف، والآخر إلى أصل خاص، وهو أن أصل فعلان المنع لغلبته فيه. ومن غريب ما قيل فيه إنه أعجمي بالخاء المعجمة فعرب بالحاء، قاله ثعلب.
الرَّحِيمِ : فعيل محوّل من فاعل للمبالغة، وهو أحد الأمثلة الخمسة، وهي :
فعال، وفعول، ومفعال، وفعيل، وفعل، وزاد بعضهم فعيلا فيها : نحو سكير، ولها باب معقود في النحو، قيل : وجاء رحيم بمعنى مرحوم، قال العملس بن عقيل :
فأما إذا عضت بك الأرض عضة فإنك معطوف عليك رحيم
قال علي، وابن عباس، وعلي بن الحسين، وقتادة، وأبو العالية، وعطاء، وابن جبير، ومحمد بن يحيى بن حبان، وجعفر الصادق، الفاتحة مكية
ويؤيده وَلَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ «١». والحجر مكية، بإجماع. وفي حديث أبي : إنها السبع المثاني والسبع الطوال، أنزلت بعد الحجر بمدد، ولا خلاف أن فرض الصلاة كان بمكة، وما حفظ أنه كانت في الإسلام صلاة بغير الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ. وقال أبو هريرة، وعطاء بن يسار، ومجاهد، وسواد بن زياد، والزهري، وعبد اللّه بن عبيد بن عمير :
هي مدنية، وقيل إنها مكية مدنية.
الباء في بسم اللّه للاستعانة، نحو كتبت بالقلم، وموضعها نصب، أي بدأت، وهو قول الكوفيين، وكذا كل فاعل بدىء في فعله بالتسمية كان مضمرا لا بدأ، وقدره الزمخشري فعلا غير بدأت وجعله متأخرا، قال : تقديره بسم اللّه أقرأ أو أتلو، إذ الذي يجيء بعد التسمية مقروء، والتقديم على العامل عنده يوجب الاختصاص، وليس كما زعم. قال سيبويه، وقد تكلم على ضربت زيدا ما نصه : وإذا قدمت الاسم فهو عربي جيد كما كان ذلك، يعني تأخيره عربيا جيدا وذلك قولك زيدا ضربت. والاهتمام والعناية هنا في التقديم والتأخير، سواء مثله في ضرب زيد عمر، أو ضرب زيدا عمر، وانتهى، وقيل موضع اسم رفع التقدير ابتدائي بأبت، أو مستقر باسم اللّه، وهو قول البصريين، وأي التقديرين أرجح يرجح الأول، لأن الأصل في العمل للفعل، أو الثاني لبقاء أحد جزأي الإسناد.

_
(١) سورة الحجر : ١٥/ ٨٥.


الصفحة التالية
Icon